دائرة مراقبة الصحف في فلسطين
كانت دائرة مراقبة الصحف بيافا من دوائر الحرب. وكان المركز الرئيسي للدائرة في مدينة القدس ولكن فرع تلك الدائرة في مدينة يافا كان هو الأهم لأن يافا كانت مركز الصحافة العربية في فلسطين وكانت تصدر فيها صحف فلسطين والدفاع والشعب والصراط المستقيم وكلها صحف يومية بينما لم يكن يصدر في القدس عام 1946 إلا جريدة الوحدة وهي تتبع الحزب العربي الفلسطيني.
وكانت تلك الدائرة في يافا تراقب أيضا في قسمها العبري جميع الصحف العبرية والتي كانت تصدر في تل أبيب. لهذا فقد اتخذت تلك الدائرة مقراً لها في شارع يافا- تل أبيب ليكون قريبا من مراكز الصحف في المدينتين المتجاورتين يافا وتل أبيب.
وكان لتلك الدائـرة مدير انجليزي هو المستر هوكادي Hookadi وله مساعدان أحدهما لمراقبة الصحف العربية وهو السيد نجيب خوري والآخر لمراقبة الصحف العبرية واسمه المستر زيف وهو حاليا من أهم الصحافيين اليهود.
وكان موظفو تلك الدائرة يعتبرون من كبار الموظفين حيث كان راتب الموظف فيها يبلغ ضعف راتب زميله في الدوائر الأخرى على الأقل. كما كانت لأولئك الموظفين امتيازات وظيفية أخرى شأنهم شأن موظفي “دوائر الحرب” الأخرى.
تعييني موظفا بدائرة مراقبة الصحف
ولميولي الصحفية ولكل تلك الأسباب حاولت أن أعمل في تلك الدائرة وبعد جهود نجحت في ذلك واستقلت من عملي في مدرسة حسـن عرفـة وعينت موظفـا فـي دائرة مراقبة الصحـف Press Censorship اعتبارا من 8/3/1946 .. وبدأت أداوم في تلك الدائرة من العاشرة صباحا وحتى الواحدة بعد الظهر ومن السابعة مساء حتى العاشرة مساء. وكانت ساعات الدوام المذكورة تناسب عمل الصحف العربية حيث كنا في الصباح نقوم بالأعمال الادارية وكتابة التقارير ومراقبة أخبار صحيفة الصراط المستقيم والتي كانت مسائية وكذلك مراقبة أخبار ومقالات جريدة الاتحاد والتي كانت تصدرها أسبوعيا من حيفا عصبة التحرر الوطني والتي ظهرت في فلسطين في السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية. أما في الفترة المسائية فكنا نراقب أخبار ومقالات الصحف العربية اليافية الثلاث الأخرى.
ومنذ الشهر الأول لعملي بدأت ألمس مدى نفوذ مساعد المدير اليهودي وكيف كان المديـر الانجليـزي منقادا له. وبعد ذلك رأيت ذاك المساعد يدبر مؤامرة أطاحت بالمسؤول العربي السيد خوري وأتبعها بمؤامرة أخرى أطاحت بالمدير الانجليزي نفسه وهكذا أصبح هذا المساعد الآمر الناهي في تلك الدائرة.
ونظراً لحدوث استقالات أخرى في القسم العربي من تلك الدائرة، صرت أعلى موظف عربي فيها ورقيت إلى وظيفة “كبير مراقبي الصحف العربية في فلسطين”، تلك الوظيفة التي بقيت أشغلها حتى نهاية الانتداب.
طبيعة عملي في مراقبة الصحف
كانت التعليمات المعطاة لموظفي تلك الدائرة بالنسبة لعملية المراقبة أن يمنعوا نشر كل ما يثير النفوس والاضطرابات في البلاد أو يعارض سياسة حكومة الانتداب في فلسطين.
ومن ذكرياتي عن العمل مراقبا للصحف العربية، أننا كنا نمنع نشر الكثير من الأخبار المثيرة كما كان مجرد ذكر اسم الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين ممنوعا. وكانت الصحف تتحايل على ذلك بتسمية المفتي “الهيئة العربية العليا” وكنا نقبل هذا التحايل!!!
كما أذكر أنني بعد الدوام الرسمي كنت أترجم للمدير العام الانجليزي بالقدس على الهاتف معظم ما كان يعرض علي من أخبار ومقالات كما كان محررو الصحف يتصلون بي هاتفيا أثناء الليل للسماح بنشر ما يردهم من أخبار متأخرة. وكنت في الأشهر الأخيرة لا أرجع إلى رئيسي في القدس بل أتولى المراقبة بنفسي متعاطفا مع تلك الصحف حيث كانت الأوضاع قد ساءت لدرجة أصبحت معها المراقبة غير مجدية بل غير معمول بها…
توقفي عن العمل بسبب الاضطرابات
وآنذاك نقلت مكتبي إلى وسط المدينة حيث تعذر استمرار العمل في مقر الدائرة بشارع يافا- تل أبيب لتدهور الأوضاع الأمنية!! وكان منع التجول يفرض على سكان المدينة كل مساء تقريبا وكنت أمنح تصريحا رسميا للتجول لأقوم بالمراقبة في مقرات ومطابع الصحف ولكن ذلك التصريح لم يكن كافيا لحمايتي إذ تعرضت للخطر عدة مرات حيث كان رجال الجيش البريطاني يطلقون النار على كل من يمر في الشارع دون تمييز وفي أواسط شهر نيسان (ابريل) 1948 توقفت نهائيا عن العمل كما توقفت الصحف عن الصدور
صورة بطاقة صحفية للمؤلف صادرة من جريدة الدفاع بيافا في 1/2/1948
عودة إلى التدريس
وقبل أن أنهي حديثي عن عملي في تينك السنتين أي من سنة 46-48 أذكر أنني عدت خلالهما للتدريس لبعض الوقت في كلية الثقافة وكانت تلك الكلية قد أصبحت ثانوية كاملة يتقدم طلابها لامتحان المترك. وأصبح في يافا في تلك السنة ثلاث مدارس تقدم امتحان المترك أو أنها ثانوية كاملة وهي مدرسة الفرير الفرنسية والكلية الأرثوذكسية وكلية الثقافة. وكنت أدرس في الصباح حصتين من 8 –½9 وبعدهما أذهب لعملي الرسمي ثم أدرس بعد الظهر حصتين من 2 –½3. وبهذا كنت أدرس 20 حصة في الأسبوع. وقد تمكنت من القيام بالتدريس لأنه يتناسب مع ساعات الدوام الرسمي لادارتنا وبعد العمل كنت أداوم في النادي لممارسة نشاطاتي الأخرى.
وفي عام 1947 تمت خطوبتي إلى إحدى قريباتي وهي الآنسة سهام زكي عياد وكانت قد تخرجت من المدرسة الانجليزية
English High School والتي كانت تدرس فيها طالبات عربيات ويهوديات. وكان في يافا في تلك الفترة مدرستان ثانويتان أخريان للبنات هما مدرسة راهبات ماريوسف الفرنسية ومدرسة (C M S) الانجليزية. وكانت طالبات المدرسة الحكومية للبنات “الزهراء” يكملن دراستهن الثانوية في المدارس المذكورة وخصوصا في المدرسة “الانجليزية العليا” لأن أعلى صف في “الزهراء” كان الثاني ثانوي حتى نهاية الانتداب.
الباب الثالث عشر – المجلس البلدي لمدينة يافا