موسم النبي صالح والمواسم الأخرى
ومن ذكرياتي أيضا عن تلك الفترة أن والدي أخذني في ربيع عام 33 أو 34 إلى مدينة الرملة حيث كان يعقد فيها “موسم النبي صالح” في شهر نيسان من كل عام وهناك استمتعنا برؤية الاحتفال الذي كان يبدأ في يافا وينتهي في الرملة وهناك شاهدنا أيضا الاعلام الخفاقة وسمعنا الأهازيج الوطنية قرب مئذنة الرملة البيضاء وفي المساء عدنا إلى يافا بالقطار ومعنا “حلاوة النبي صالح” اليابسة البيضاء. والجدير بالذكر أن صلاح الدين الأيوبي هو الذي ابتدع موسم النبي صالح في الرملة وموسم النبي موسى في القدس وموسم النبي روبين في يافا وموسم وادي النمل في مجدل عسقلان وذلك لتشكيل حشودات اسلامية في هذه المواسم في مقابل حشودات الصليبيين أثناء حرب الفرنجة في فلسطين.
الاحتفال بموسم النبي روبين
وعن موسم النبي روبين أذكر أن الموسم كان يعقد في الصيف حيث كنا ننصب الخيام لإقامتنا في أرض روبين التي تقع على بعد 15 كيلومتر جنوب مدينة يافا وتضم كثبان رملية ناعمة بيضاء وتقع بين نهر روبين والبحر. وكان أهالي يافا والرملة واللد يقضون جانبا من أشهر الصيف في ذلك المصيف الجميل وكان الموسم يبدأ رسميا “بزفة الثوب” في أول الشهر القمري الذي يقع في شهر أيلول من كل عام حيث يشارك في الاحتفال العلماء وحملة الأعلام ورجال الدين والشخصيات ثم يتجه الموكب من يافا إلى روبين حيث تحفظ الأعلام في مقام النبي روبين.
تنظيم حياة السكان في روبين
وكان الموسم يستمر لمدة شهر على الأقل. وكانت بلدية يافا تشرف على النظافة والأسواق في روبين، بينما كانت دائرة الصحة تتولى الرعاية الصحية للسكان وكان مركز البوليس يتولى حفظ الأمن. وكان لروبين مجلس بلدي وأذكر أن عمي الشيخ عيسى أبو الجبين كان هو رئيس بلدية روبين في الثلاثينيات والأربعينات وكانت عائلتنا ومعظم العائلات اليافية تتبارى في أشكال ونوعيات خيامها كما تتبارى في تنظيم الساحات المخصصة لخيامها هناك.
وكان الذهاب إلى روبين في الصيف أمرا شبه إلزامي بالنسبة للأسر اليافية. وكانت ربة البيت تصـر على الذهاب إلى روبيـن أسـوة بجاراتها، وتهدد زوجها بأنها ستتركه إذا لم يأخذهـا لموسـم روبيـن وتقـول له “يا بترويني يا بطلقني” أي إما أن تأخذني إلى روبين أو تطلقني (الفعل: طلّق)
وقد توقف موسم روبين صيف عام 36 بسبب الاضراب الكبير في فلسطين وعدنا لنصب خيامنا هناك في عام 37 ثم توقفنا عن ذلك أثناء ثورة 38 وسنوات الحرب العالمية الثانية وبعدها احتفلنا بالموسم مرة أو مرتين فقط قبل قرار التقسيم ونهاية الانتداب. هذا وقد كانت فرق الأندية والكشافة من يافا والرملة واللد تشارك في احتفالات الموسم وتنصب الخيام الكبيرة لأفرادها وتقيم الاستعراضات والنشاطات المختلفة هناك
يظهر في الصورة التي أخذت أثناء زيارة الشيخ عبد الله الجابر الصباح للقاهرة عام 1954 في الصف الثاني أول شخص من اليمين الشيخ عيسى أبو الجبين من رجالات يافا الوطنيين ورئيس المجلس البلدي في روبين ولجأ لمصر عام 1948. ويظهر في الصف الأول الشيخ عبد الله الجابر وأحمد حلمي باشا ، رئيس حكومة عموم فلسطين. وفي الصف الثاني الرابع من اليمين هو التاجر الكويتي عبد العزيز علي المطوع، والأول في الصف الرابع من اليمين: الزعيم المغربي علال الفاسي ، زعيم حزب الإستقلال المغربي.
الترفيه عن المصطافين في روبين
وكانت في روبين سينمات ومسارح تستضيف العديد من المطربين والفرق التمثيلية المصرية. وكان هناك أسواق ومقاهي وعيادات أطباء وأفران ومطاعم وكل ما يؤمن للسكان الحياة المريحة في ذلك المصيف والذي كان يؤمه العدد الأكبر من سكان يافا في أشهر الصيف والتي يتوقف فيها العمل في قطف وتعبئة وتصدير البرتقال باعتبار ذلك هو العمل الرئيسي لأهالي مدينة يافا في الشتاء.
معلومات واحصاءات عن روبين
وفي نهاية حديثي عن موسم النبي روبين أورد فيما يلي بيانات عن أراضي روبين استقيتها من كتاب “بلادنا فلسطين” للمؤرخ الفلسطيني اليافي مصطفى مراد الدباغ وهي:
– تبلغ مساحة أراضي روبين 31 الف دونم (الدونم الفلسطيني الف متر مربع).
– تمتد سهـول روبين ورمالها مسافة 4 كيلومتـرات ونصف من الداخل بطول وقدره 13 كيلومترا.
– نهـر روبين يمتد مـن تل سلطـان إلى البحـر ولا يزيـد طول مجراه الدائم عن ميلين (2 ميل).
– أقام اليهود مفاعلاً ذريا قرب مصب نهر روبين بين عامي 1959 و 1960 بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية.
كما ورد في مقال كتبه عز الدين القمبرجي من أبناء يافا في مجلة “الفلوكة” والتي تصدرها جمعية يافا للتنمية الاجتماعية في عمان عن روبين ما يلي:
– يقع نهر روبين جنوب مدينة يافا وعلى بعد 20 كيلومتر منها.
– الضفة اليمنى من نهر روبين أرض زراعية خصبة أما الضفة اليسرى فهي كثبان رملية بيضاء تميل إلى الصفرة قليلا وتظلل أشجار الكينا الكبيرة أجزاء منها وقد أطلق اسم روبين على كل تلك القطعة من الأرض وعلى النهر كذلك نسبة إلى النبي روبين الذي يقال أنه راقد في الضريح الواقع ضمن حدود المسجد الكبير (الحرم) الذي تنتشر من حوله المخيمات والأسواق في موسم روبين في الصيف