لمحة تاريخية
في البداية أقول أنني أكتب الصفحات القليلة التالية عن بدايات التعليم الحديث في الكويت من ذاكرتي الشخصية باعتباري من مدرسي الكويت القدامى وقد يكون في مذكراتي هذه إضافة ولو بسيطة إلى البحث الذي تقوم بإعداده حاليا اللجنة المكلفة بتوثيق التعليم في دولة الكويت والتي يرأسها الأستاذ فيصل الصالح الوكيل السابق لوزارة التربية الكويتية ويساعده فيها الصديق الدكتور عبد الرحيم حسين وأرجو أن أوفق في ذلك … وبعد
فقد أشرت سابقا إلى أن التعليم الحديث في الكويت بدأ في السنة الدراسية 36-37 عندما حضرت أول بعثة تعليمية فلسطينية إلى الكويت. وتولت التدريس في المدرسة المباركية. والمعروف أن المدرسة المباركية أنشئت عام 1912 بتبرع من التجار الكويتيين .. وهي أول مدرسة نظامية في الكويت بل في دول الخليج قاطبة. وكانت تلك المدرسة تدرس اللغة العربية والحساب والقرآن الكريم والعلوم الدينية.
وكان إلى جانب المباركية عدد من الكتاتيب (الكتاتيب جمع كتاب بتشديد حرف “التاء”) يقوم بالتدريس فيها “المطوع” أو “الملا”. وكان هناك أيضا “مطوعات” يدرسن الفتيات!! … وكلمة كتاب مستعملة في فلسطين بينما تستعمل الكويت كلمة “المطوع” و “المطوعة” لهذا الغرض.
أما التعليم الحديث الذي يشمل تدريس اللغة الإنجليزية والعلوم الحديثة كمبادئ العلوم والتاريخ والجغرافيا إلى جانب التربية البدنية والتربية الفنية والموسيقية فقد بدأ في الكويت عام 36 كما ذكرت أعلاه.
وعندما حضرنا إلى الكويت في نوفمبر عام 48 كان فيها إلى جانب المدرسة المباركية المدارس التالية للبنين وهي: الأحمدية والشرقية والقبلية والمرقاب وروضة البنين المستقلة. كما كان فيها للبنات: المدرسة القبلية للبنات ومدرسة الزهراء والمدرسة الشرقية للبنات والمدرسة الوسطى. وكان يدرس في تلك المدارس عدد قليل جدا من المدرسات الكويتيات أذكر منهن مريم عبد الملك الصالح وعزيزة الصالح وفاطمة الصالح، إلى جانب عدد من المدرسات العربيات.
وقد عملت عند وصولي إلى الكويت في المدرسة القبلية وكان من زملائي فيها المدرسون الكويتيون: صالح شهاب وأحمد العدواني وابراهيم عبد الملك وابرهيم المقهوي وبدر السيد رجب وعبد العزيز العدساني. وكان ناظر المدرسة من البعثة التعليمية المصرية
البعثة التعليمية المصرية عام 48
في السنة الدراسية 48-49 كان يشرف على التعليم في الكويت بعثة تعليمية مصرية. وكان مدير المعارف طه السويفي رئيس تلك البعثة. وكانت البعثة تضم عددا من المدرسين والمدرسات في حدود عشرين شخصا منهم ناظر المدرسة الثانوية (المباركية) وناظر المدرسة القبلية وناظر المدرسة الشرقية ومدرسان للقسم التجاري هما عزت سليمان ويحيى أبو حمدة وبضع مدرسات في المدرسة القبلية للبنات.
أما مدرسو المدرسة المباركية الثانوية فكان جلهم من المدرسين الفلسطينيين الذين استقدمتهم الكويت للعمل فيها إثر نكبة فلسطين وهجرة أكثر من نصف الفلسطينيين إلى الأقطار العربية المجاورة اعتبارا من شهر نيسان أو أيار من تلك السنة.
وكـان من بين مدرسي المدرسة المباركية الفلسطينيين في تلك السنة كل مـن محمد نجم وعبد اللطيف الصالح وفوزي الكيالي وأكرم الكيالي وخليل دهمش وعبد الله الكيلاني وشوكت الدجاني. بينما كان محمد الزعبلاوي وربحي العارف في المدرسة الشرقية ومحمد بشير وحسن صبح في المدرسة القبلية التي عملت فيها معهما بعد وصولي إلى الكويت في آخر نوفمبر من تلك السنة كما أن زميلي حسين نجم والذي حضر بعدي باسبوع إلى الكويت عين في تلك السنة مدرسا في مدرسة روضة البنين المستقلة. ومن زملائي المدرسين الكويتيين في المدرسة القبلية اذكر الأساتذة احمد العدواني وصالح شهاب، وابراهيم المقهوي وابراهيم عبد الملك وبدر السيد رجب والفوزان وكان في المدرسة الشرقية الاساتذة احمد السقاف وعبد الله حسين ومجيد محمد ولم يكن في المدرسة المباركة الثانوية إلا الاستاذ سلمان العثمان كمدرس للتربية البدنية.
كما عين من المدرسات الفلسطينيات في تلك السنة كل من زينب سيف الدين العارف في المدرسة الشرقية ولطفية الزعبلاوي في المدرسة القبلية ودعد الشهابي في المدرسة القبلية وهي ابنة صيدلي فلسطيني حضر للعمل في الكويت في تلك السنة.
وبعد وصولي إلى الكويت مع شقيقتي عينت شقيقتي اعتدال مدرسة في مدرسة الزهراء.
والمعروف أن البعثات التعليمية المصرية بدأت تتوافد إلى الكويت منذ أواسط الأربعينات وقبل ذلك كان هناك مدرسون سوريون ولبنانيون وغيرهم إلى جانب المدرسين الكويتيين.
وذلك بعد انتهاء عمل البعثة التعليمية الفلسطينية ورجوع المدرسين الفلسطينيين إلى فلسطين في عام 1942.
وكان يشرف على التعليم مجلس للمعارف برئاسة الشيخ عبد الله الجابر وكان يضم عددا من الشخصيات الكويتية أذكر منهم يوسف الحميضي وعبد المحسن الخرافي والرزوقي والمسلم وكان مدير ادارة ومالية المعارف هو عبد الله الزيد وخلفه السيد رجب الرفاعي. وكان إلى جانب مدير المعارف المصري في تلك السنة مفتش معارف لبناني هو عبد اللطيف الحبال وكذلك مفتشة لبنانية للبنات هي إقبال الحبال زوجة الأستاذ عبد اللطيف الشملان المعاون الاداري في وزارة التربية فيما بعد.
وكان مدير المعارف المصري يزود مدارس الكويت من مصر بكل ما تحتاجه من قرطاسية وكتب حيث كان المنهج التعليمي المصري هو المطبق في مدارس الكويت بصورة عامة.
وهكذا سار العمل في مدارس الكويت في تلك السنة برئاسة مصرية للتعليم ومعلمين معظمهم فلسطينيون يتعاطف معهم المسؤولون الكويتيون …
ولكن يظهر أن البعثة التعليمية المصرية بدأت تخشى أن يحل المدرسون الفلسطينيون مكان المدرسين المصريين في الكويت بسبب التعاطف الكويتي مع الفلسطينيين وكتبت بعض المقالات في الصحف المصرية بهذا الخصوص. لهذا قدم طه السويفي مدير المعارف تقريرا إلى مجلس المعارف أوصى فيه بإنهاء عمل أكثر من نصف المدرسين الفلسطينيين في نهاية السنة الدراسية 1948/1949
واستجاب مجلس المعارف لتلك التوصية “الفنية” وكنت أنا وشقيقتي من بين المدرسين الذين انهيت خدماتهم، فتركنا الكويت في بداية شهر حزيران – يونيو – 1949 وعدت مع زوجتي وشقيقتي وشقيقي إلى القاهرة للإلتحاق ببقية أفراد عائلتي الذين كانوا قد لجأوا إلى مصر كما سبق أن ذكرت
ولكن بعد أن أدرك مجلس المعارف في الكويت النوايا السيئة لمدير المعارف المصري طه السويفي وبسبب شكوك المجلس فيا يتعلق بتوريـد الكتب والقرطاسية إلى الكويت من مصر، اتخذ المجلس (في وقت لاحـق) قرارا بالاستغناء عن طـه السويفي مدير المعـارف وطلب من وزارة المعارف المصرية ارسـال شخص بدله … وهكذا كان …
نظام التعليم والدوام المدرسي
كان نظام التعليم في الكويت مصريا إلى حد بعيد وكانت المراحل الدراسية كما يلي:
أولا: مرحلة الروضة: تتكون من ثلاثة صفوف من أولى روضة وحتى ثالثة روضة.
ثانيا: المرحلة الابتدائية: تتكون من أربعة صفوف من أولى ابتدائي وحتى رابعة ابتدائي وفي نهاية تلك السنة يتقدم الطلاب لامتحان الشهادة الابتدائية.
ثالثا: المرحلة الثانوية: تتكون من أربعة صفوف من أولى ثانوي وحتى رابعة ثانوي. وتنتهي هذه المرحلة بامتحان “الثقافة”. وأضيف لتلك المرحلة فيما بعد صف خامس ثانوي (توجيهي).
أما الدوام المدرسي فكان يوقـت بالتوقيت العربـي (أي أن الشمس تغرب الساعة 12). وبسبب حرارة الجو كان هناك توقف عن الدوام طيلة ساعات الظهيرة وحتى العصر أي أن الدوام يبدأ في الصباح لتدريس 4 حصص من 7 صباحا (حسب التوقيت الغربي) وحتى الساعة ½ 10 صباحا. ثم كنا نتوقف عن العمل من ½ 10 صباحا حتى الساعة الثالثة أو الثالثة والنصف بعد الظهر وبعدها تكون هناك حصتان حتى الرابعة والنصف أو الخامسة بعد الظهر (حسب فصول السنة المختلفة).
الأناشيد المدرسية
وكنت في المدرسة القبلية أعلم الأناشيد لطلاب المدرسة لإنشادها في الصباح. وأذكر أن الأستاذ طه السويفي مدير المعارف كان في إحدى زياراته وسمعني أنشد مع الطلاب نشيد “يا أسود البيد …” وكان هذا النشيد شائعا جدا في تلك الأيام وكانت الاذاعة المصرية تذيعه باستمرار، وكنت قد حفظت ذلك النشيد لأنه تردد في تلك الاذاعة التي كانت تسمع في الكويت من خلال الراديوات ومعظمها كان يعمل بالبطارية لأن الكهرباء لم تكن تستخدم في الكويت إلا في منازل محدوده جدا..
وبعد أن سمعني مدير المعارف أردد ذلك النشيد والذي كانت كلماته حماسية للغاية، استدعاني لمكتبه وطلب مني أن أقوم بتعليم ذلك النشيد لكل طلبة الصفوف الابتدائية في مدارس الكويت وأن أعلمهم أيضا كل ما أحفظه من أناشيد .. بالإضافة الى عملي الرسمي، فوافقت على ذلك .. وبدأت بعد المدرسة القبلية بالمدرسة الأحمدية ثم الشرقية ثم روضة البنين. وكانت سيارة دائرة المعارف تنقلني من بيتي بعد ظهر كل يوم إلى إحدى المدارس لتعليم طلابها الأناشيد التي أحفظها .. وكنت أمضي نحو ساعتين في كل مدرسة أخـرج بعدهما وقد حفظ طلابها نشيدا أو أكثر من الأناشيد التي كنت أحفظها وهكذا .. إلى أن حفظ طلاب الكويت كل الأناشيد مع اللحن.. وأذكر أن مطربنا الكبير عبد العزيز المفرج “شادي الخليج” مدير ادارة التربية الموسيقية في وزارة التربية كان من بين أولئك الطلاب، وقد تبادلنا الأحاديث والذكريات عن تلك الأيام الجميلة عندما التقيته منذ سنوات في مجلس عزاء المرحوم عبد العزيز حسين مدير معارف الكويت وأحد روادها العظام في حقل التعليم والثقافة … وقال لي شادي الخليج في ذلك اليوم: “لماذا لا تتفضل يا أستاذ خيري بزيارتنا في ادارة التربية الموسيقية وتسجل تلك الأناشيد حفظا لها من الضياع؟” فوعدته بتنفيذ رغبته عندما تسمح الظروف! ولكن الأيام مرت … ولم أقم بذلك!؟ لهذا فإني أغتنم الآن فرصة الكتابة عن التعليم في الكويت في الأربعينات لأسجل هنا بعض ما أحفظ من تلك الأناشيد.
أ- من كلمات: نشيد يا أسود البيد
يـا أسـود البيد سيروا للمنى تنشـد العـرب
واهتفـوا وقولوا حسبنا إننا عرب
نحن قوم لا نبالي إن تعدتنا الليالي
قــد خلقنــا للمعالـــــي
حكم الدهر علينا ولنــــــا
بالخلــود … ……
يا أسـود البيد
ب- من كلمات: نشيد نحن الشباب
نحن الشبـاب لنــا الغـد ومجده المخلد
نحن الشبـاب
شعارنـــاعلى الزمـن عاش الوطن عاش الوطـن
بعنـا لــه يـوم المحـن أرواحنــا بـلا ثمــن
نحــن الشبـاب
يـا وطنـي عـــداك ذم مثلـك مـن يرعـى الذمـم
علمتنـــا كيف الشمــم وكيف يطفرالأنـــــام
نحــن الشبـاب
السفح والجداول والحقل والسنابل
وما بنى الاوائل نحن له معاقل
نحــن الشبـاب
الديـن فـي قلوبنا والنور في عيوننا
الحق في يميننا والغار في جبيننا
نحــن الشبـاب
لنا العراق والشآم ومصر والبيت الحرام
نمشي على الموت الزؤام الى الامام الى الامام
نحــن الشبـاب
نبني ولا نتكل نفنى ولاننخذل
لنا يد والعمل لنا غد والامل
نحــن الشبـاب
ج- من كلمات: نشيد بادروا للعمل
بادروا للعمـل دون خـوف أو وجل
هدنا داء الكسل فأنقذوا بلادكم بالعمل
لا شيء كالعمل يوقــظ الهمـــم
يبعـث النشاط يرفــع الأمـــم
د- من كلمات: نشيد مرحى صراع الردى
مرحى صراع الردى مرحى صراع الخطوب
إنــا جنـود الفـدا للوطــن المحبــوب
أهـاب داعي الوطن بنـــا فلبينـــــاه
فـرددي يـا محـن وجــددي يـا حيــاة
مرحى صراع الردى
فكـل غال يهــون فـي فــدى الأوطـان
مهـد الشباب الحنون وروحــه الفينـــان
مرحى صراع الردى
هيا بنا هيا هيا بني العرب
نطوي الفلا طيا الى رحى الحرب
مرحى صراع الردى
هـ- من كلمات: نشيد كلنا للوطن
(النشيد الوطني اللبناني)
كلنـــا للوطـن للعـلا للعلــم
ملء عين الزمـن سيفنـا والقلـم
سهلنــا والجبـل منبـت للرجال
قـولنـا والعمـل في سبيل الكمال
كلنـــا للوطـن للعـلا للعلــم
كلنا للوطن
و- من كلمات: نشيد بلادي
بلادي بلادي فداك دمي
وهبتك حياتي فدى فاسلمي
غرامك أول ما في الفؤاد
ونحوك آخر ما في فمي
سأهتف باسمك ما قد حييت
تعيش بلادي يحيا الوطن
ز- من كلمات: نشيد بلاد العرب أوطاني
(لفخري البارودي)
بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ
فـلا حـدٌّ يباعدُنا ولا ديـنٌ يفـرّقنا
لسان الضَّادِ يجمعُنا بغـسَّانٍ وعـدنانِ
بلادُ العُربِ أوطاني من الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يمـنٍ إلى مصـرَ فتطوانِ
لنا مدنيّةُ سَـلفَـتْ سنُحييها وإنْ دُثرَتْ
ولو في وجهنا وقفتْ دهاةُ الإنسِ و الجانِ
بلادُ العُربِ أوطاني من الشّـامِ لبغدانِ
ومن نَجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مصـرَ فتطوانِ
فهبوا يا بني قومي إلى العـلياءِ بالعلمِ
و غنوا يا بني أمّي بلادُ العُربِ أوطاني
بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـام لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يمـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ
ح- من كلمات: نشيد حماة الديار
النشيد الوطني السوري
حمـاة الديـارعليكم سـلام أبـت أن تـذل النفوس الكرام
عريـن العروبةبيت الحـرام وعرش الشموس حمى لا يضام
ربـوع الشــآم بروج العـلا تحاكـي السمـاء بعالي السنـا
فأرض زهت بالشموس الوضا سماء لعمرك او كالسما
رفيف الاماني وخفق الفؤاد على علم ضم شنل البلاد
أما فيه من كل عين سواد ومن دم كل شهيد مداد؟
نفـوس أبــاة وماض مجيد وروح الاضاحي رقيب عنيد
فمنــا الوليــدومنا الرشيـد فلـم لا نســود ولم لا نشيـد
ط- كلمات: نشيد فلسطين تنادي
فلسطين تنادي هيا يا أولادي
للعلا هبوا واحموا بلادي
قم قم ويحك لا تنام
واخدم الأوطان يا ابن الكرام
ترابك تبر وماؤك عذب
هواؤك رضب يشفي فؤادي
قم قم ……
أنت يا فلسطين يا مهد الأجداد
لا نرضى بديلا عنك الأعادي
قم قم ……
نشيـد مـوطنــي
(لشاعر فلسطين ابراهيم طوقان)
موطني
الجلال والجمال والسناء والبهاء في رباك
والحياة والنجاة والهناء والرجاء في هواك
هل أراك
سـالما منعمـاغـانـمـا مـكـرمـا هـــل أراك فـــي عـــــلاك
تبلغ السماك
موطني
الشباب لن يكـل همه أن يستقل أو يبيــد
نستقي من الردى ولن نكون للعدى كالعبيـد
لا نريد
ذلنا الـؤبــدا وعيشـنـا الـمنـكــدا
لا نـريـــد بــل نـعـيـــــد مجدنا التليد
موطني
الحسام واليـراع لا الكلام والنزاع رمزنـا
مجدنـا وعهدنـا وواجب الـى الوفا يهزنا
عزنا
غايـة تشــرف ورايــة تـرفـــرف
يا هـنــــاك فــــي عــــلاك قاهرا عداك
موطني
الكويت تستغني عن البعثة التعليمية المصرية
ذكرت في الفصل الأسبق أن مجلس معارف الكويت طلب من الحكومة المصرية أن تنتدب مديرا للمعارف بدلا من طه السويفي وذلك في آخر السنة الدراسية 48/49. واستجابت مصر لرغبة معارف الكويت فأوفدت الأستاذ محمد درويش رئيسا للبعثة التعليمية المصرية ومديرا لمعارف الكويت اعتبارا من بداية السنة الدراسية 49-50. كما أوفدت مصر في تلك السنة عددا أكبر من المدرسين المصريين ليحلوا محل المدرسين الفلسطينيين الذين تم الاستغناء عنهم مع نهاية السنة الدراسية الماضية. وهكذا لم يعين في تلك السنة محليا إلا مدرس فلسطيني واحد ونحو ست مدرسات فلسطينيات (أسماؤهن وردت في كشف سابق)! وكان إلى جانب مدير المعارف مفتش مصري حل محل عبد اللطيف الحبال المفتش للبناني والذي استغني عنه أيضا.
وبالنسبة لي شخصيا فإنني بعد أن غادرت الكويت كما ذكرت بقيت في مصر نحو ستة شهور فتشت خلالها عن عمل ولحسن حظي كانت أمامي فرص أن أعمل في الصحافة في الأردن أو في التعليم في مسقط أو البحرين أو في القسم العربي في اذاعة باكستان. ولكنني وأسرتي كنا لا نزال نحن إلى الكويت التي عشنا فيها سنة وأحببناها. فطلبـت من عبد العزيز حسين مديـر بيت الكويت – والذي سبق أن عرفني – أن يتوسط لي بالعودة للعمل في الكويت وهكذا فعل … فعدت إليها بعد أن تلقيت برقية من المعارف بتعييني وجاء في البرقية “توجهوا على حسابكـم” وكان ذلـك في شهر تشرين الثاني – نوفممبر – عام 1949. وسافرت مع أسرتي عن طريق ميناء الإسكندرية إلى بيروت ثم إلى دمشق وكان طريق دمشق – العراق الصحراوي غير معبد. وكانت سيارات الشركة البريطانية “نيرن” “Nairn” هي الوحيدة المجهزة لعبور الصحراء.فوصلنا بغداد ومنها إلى البصرة بقطار الشرق السريع وبعد ذلك إلى الكويت حيث اجتزنا طريقها الصعبة بسيارات “فورد” طراز 47 العالية!!
وحال عودتي إلى الكويت في بداية كانون الأول – ديسمبر 1949 عينت سكرتيرا لمدير ادارة ومالية المعارف السيد رجب الرفاعي بنفس الراتب الذي كنت أتقاضاه سابقا وهو 500 روبية شهريا. وكان السيد رجب قد عرفني في السنة السابقة ، كما عينت زوجتي مدرسة في مدرسة الزهراء وعينت شقيقتي من جديد مدرسة في المدرسة القبلية وكان راتب كل منهما 350 روبية هندية شهريا.
وأذكر أنه في تلك السنة عاد إلى الكويت من مصر حمد عيسى الرجيب وعين مديرا أو مسؤولا عن النشاط المدرسي وما لبث في السنة التالية أن نقل ناظرا لمدرسة الصباح. وكانت تلك المدرسة ومدرسة النجاح قد اكتمل بناؤهما في عهد السيد رجب الرفاعي مدير ادارة ومالية المعارف وقد بناهما المرحوم “أبو حمود المقهوي” المسؤول عن أبنية دائرة المعارف آنذاك.
كما أنشئت في تلك السنة مدرسة المرقاب للبنات وعينت علياء عمارة أول ناظرة لها وكانت السيدة علياء وهي مصرية الجنسية قد سكنت مع والديها في مدينة يافا وتخرجت من دار المعلمات بفلسطين وعملت هناك نحو عشرين سنة وبعد نكبة فلسطين عملت ناظرة في مدارس الكويت حتى وفاتها. وبالنسبة لمدرسة النجاح أذكر أنه عين عبد اللطيف العمر ناظرا لها.
هذا وفي أثناء عملي سكرتيرا لمدير ادارة ومالية المعارف أتيحت لي فرصة الاطلاع على ملفات ادارة المعارف ومنها عرفت الكثير عن أعمال تلك الادارة. وأذكر من زملائي في العمل بادارة المعارف آنذاك عبد الرحمن العمر مسؤول المخازن والطباع ابراهيم اسحق وأحمد عزت أبو عمارة مسؤول مخزن الكتب والقرطاسية وعبد العزيز الفريلي سكرتير مجلس المعارف و”المسلم” و”العجيري” من الادارة المالية واسماعيل أبو عبده المحاسب وخالد الحمد مساعد أمين مخزن الكتب والقرطاسية.
وفي أواخر تلك السنة الدراسية (49-50) رأى مجلس المعارف الاستغناء عن البعثة التعليمية المصرية ومديرها واختيار مدير معارف فلسطيني للكويت. ورشح لهذا المنصب من رجال التعليم في فلسطين كل من مصطفى مراد الدباغ وأحمد خليفة ومحمود الحوت ودرويش المقدادي وغيرهم … ولكن مجلس المعارف اختار الأستاذ درويش المقدادي لشغل هذا المنصب حيث كان بعض أعضاء المجلس يعرفون عن كفاءة المقدادي وماضيه السياسي المجيد واخلاصه في العمل عندما كان مدرسا في معهد المعلمين في بغداد. وبعد اختياره لهذا المنصب حضر المقدادي لزيارة الكويت والتعرف على المسؤولين في ادارة المعارف، وبحكم معرفتي بالمعارف ورجالها كنت قريبا من المقدادي!!
درويش المقدادي مديرا لمعارف الكويت
وأذكر فيما يلي بعض ملامح التعليم في السنتين اللتين كان فيهما درويش المقدادي مديرا لمعارف الكويت، أي في السنة الدراسية 50/51 والسنة الدراسية 51/52، ومنها أن المقدادي أحضر عددا من المدرسين الفلسطينيين الأكفاء للتدريس في المدرسة المباركية الثانوية منهم محمود زايد ومحمود الغول ومحمود السمرة وعبد القادر يوسف ونايف خرما وأحمد أبو حاكمة والذي أعد كتابا عن تاريخ الكويت، وكل هؤلاء نالوا فيما بعد شهادة الدكتوراه. ثم جميل الصالح والذي عين وكيلا للمدرسة وزهير الكرمي وعبد الملك الناشف الذي عين مديرا للمباركية، ومعظم أولئك المدرسين عملوا فيما بعد مدرسين في الجامعات وتقلدوا مناصب علمية رفيعة
السيدة/ربيحة الدجاني المقدادي ناظرة المدرسة الشرقية للبنات في الكويت والموجهة الاجتماعية بوزارة التربية وقد كرمتها دولة الكويت بمنحها الجنسية الكويتية
كما عين المقدادي مدرسين مختصين للتعليم التجاري الحديث من خريجي الجامعة الأمريكية في بيروت وهم عبد الله السعدي ومحمود أبو غزالة وعبد المحسن القطان. ومن أجل اتاحة الفرصة لطلاب القسم التجاري للالتحاق بالجامعات العربية والأجنبية أضيف لمنهج القسم التجاري مادة الرياضيات وبدأت أنا وزميلي حسين نجم بتدريس الرياضيات للصف الأول تجاري والثاني تجاري المعادلين للثالث والرابع الثانوي. وكنت قد نقلت للمباركية من بداية تلك السنة المدرسية وأصبحت أدرس الرياضيات فيها. وأذكر من تلاميذي في الصفوف الثانوية الشيخ سالم صباح السالم ويوسف الخراقي ومنصور غلوم ومحمد الشمالي ومحمد عبد المحسن الرفاعي وأحمد النوري وعبد الله النيباري وجاسم حسين وحسن ابراهيم وهاني ويوسف شحيبر وطارق البراك.
ومن طلاب الصف الأول والثاني تجاري الذين أذكرهم فيصل الفليج وجاسم المرزوق وراشد الراشد، وعبد الرحمن العوضي ومحمود بهبهاني وعبد الله بشارة. ومن ناحية أخرى بدأ في عهد المقدادي توحيد الزي المدرسي للطلاب والطالبات وأصبح لزاما على الطلاب ارتداء الملابس الافرنجية (قميص وبنطلون) بدلا من “الدشداشة”. وبدأت دائرة المعارف توزع الأقمشة أو الملابس الجاهزة على الطلاب والطالبات. كما الغت العمل بالتوقيت العربي وأصبحت المدارس تعمل وفق الساعة “الافرنجية” المعتادة.
وقد عمل المقدادي على تدعيم التفتيش أو “التوجيه الفني للمدرسين والمدرسات” حيث عين الدكتور جميل علي مفتشا لمدارس البنين وكان هذا في السابق أستاذا للرياضيات العالية في الكلية العربية في القدس وهي أرقى معهد علمي في فلسطين.
كما عين الدكتورة نجلاء أبو عز الدين مفتشة لمدارس البنات خلفا للسيدة إقبال الحبال الشملان. وللدكتورة عز الدين مكانة علمية مرموقة في لبنان. وعين حسن الدباغ للتفتيش على مدرسي اللغة الانجليزية. وعين موسى حمدان مفتشا للتربية البدنية وخلفه في السنة التالية عيسى الحمد بعد أن تخرج من معهد التربية البدنية بمصر. وفي عهد المقدادي بدأ الاهتمام بمدارس القرى ومدرسة جزيرة فيلكا، فأعطيت علاوات تشجيعية لمدرسيها لتشجيهعم على العمل في تلك المدارس وفتح الصف الأول ثانوي للبنات في المدرسة القبلية.
وبمناسبة الحديث عن جزيرة فيلكا أروي فيما يلي حكاية عنها رواها لي صديق في عمان قبل سنتين وقال: ان ابنه وهو يحمل جنسية بلد أجنبي كان يتنزه مع صديقته الدنماركية الجنسية على شاطئ البحر! وفي “لحظة انسجام” قالت له صديقته: إن ضميري يعذبني!! ولما سألها عن السبب قالـت له: “كنت قبل سنوات في الكويت في بعثة للتنقيب عن الآنار في جزيرة فيلكا وكان رئيسنا اليهودي يطلب منا التفتيش عن أي أثر لليهود هناك! وحاولنا أن نجد شيئا يلبي طلب رئيسنا فلم نفلح .. فما كان من رئيسنا إلا أن طلب منا طلبا غريبا وهو أن نرسم على قطعة من الخشب “الشمعدان اليهودي” ونرمي هذه القطعة في بئر عميق ونهيل عليها التراب هي وهيكل صغير من الفخار صنعوه من مواد كانت معهم.! وهكذا فعلنا لذلك فإن ضميري يعذبنيّّ! حيث سيقال في المستقبل أن اليهود كانوا في فيلكا يوما ما!!” وهذا بالطبع قول غير صحيح ولا يستند إلى أي أساس.
وحول هذا الموضوع أقول أن الصديق الدكتور عز الدين غربية أعد كتابا اسمه “آثار فلسطين تحكي تاريخها”، والكتاب يعتمد بصورة أساسية على الآثار المكتشفة في فلسطين خلال أكثر من قرن، وخرج الكتاب بعد التحليل والبحث العلمي بنتائج علمية وتاريخية توضخ مسيرة التاريخ الفلسطيني منذ أقدم العصور وحتى الآن، وهذا يدحض تماما الادعاءات الصهيونية المعتمدة على التوراة وتفند تماما ما تنشره دور النشر الصهيونية حول تاريخ فلسطين!!
هذا وقد قال لي الدكتور غربية وهو “يافي” متخصص في تاريخ فلسطين القديم، أن اليهود بعد احتلالهم لمدينة يافا عام 48 قاموا بحفريات مختلفة حول المدينة . فلم يجدوا شيئا يثبت أنه كان لهم وجود في يافا في أي عصر من العصور كما يدعون.
ونعود للتعليم فنذكر أنه في عهد المقدادي أيضا أنهى طلاب الصف الخامس الثانوي في المدرسة المباركية دراستهم الثانوية وأصبح من غير الممكن قبولهم في الجامعات المصرية لأن البعثة التعليمية المصرية لم تعد هي المشرفة على التعليم في الكويت لهذا تم الاتفاق مع وزارة المعارف العراقية فأوفدت لجنة منها قامت بإجراء فحص الشهادة الثانوية لطلاب المباركية ومنح الناجحون منهم شهادة الدراسة الثانوية الكويتية التي أهلتهم للالتحاق بالجامعات العراقية والجامعة الأميركية ببيروت وغيرها وقد أرسل عدد من الطلبة الناجحين للدراسة في معهد المعلمين ببغداد.
كما أعد الطالب سامي المشري لفحص “مترك لندن” وبذلك تمكن من إكمال تعليمه العالي كمهندس في بريطانيا وأشرف على تدريسه المواد العلمية مفتش المعارف جميل علي.
وأنشأ المقدادي في المدرسة المباركية صفا للمعلمين للمساعدة في سد حاجة مدارس الكويت لمدرسين كويتيين. وأذكر أن أحمد مهنا كان أحد خريجي ذلك الصف. ولوحظ ازدياد عدد المدرسين الفلسطينيين في عهد المقدادي لسد حاجة مدارس الكويت من المدرسين والمدرسات بعد أن زاد عدد المدارس في الكويت زيادة ملحوظة. وفي عهد المقدادي عينت ربيحة الدجاني زوجة المقدادي ناظرة للمدرسة الشرقية، وعزيزة الكرمي ناظرة لمدرسة الصالحية (الجديدة)، ونقلت علياء عمارة من مدرسة المرقاب لتكون ناظرة للقبلية بدلا من وداد خياط الناظرة القديمة لها وهي سورية الجنسية والتي استبدلت بمريم عبد الملك الكويتية الجنسية ناظرة مدرسة الزهراء، وأصبحت مريم مديرة ادارة المستخدمات في وزارة التربية فيما بعد
بعض طلبة ومدرسي المدرسة المباركية بالكويت عام 1951 ويظهر في الصورة من اليمين المدرسون محمود أبو غزالة، خالد الافرنجي، د. محمود زايد، فوزي الكيالي، د.عبد القادر يوسف، د. محمود السمرة، خيري أبو الجبين، عبد الله السعدي، عبد الرزاق بدران
صورة مجموعة من مدرسي المدرسة المباركية في السنة الدراسية 1951/1952 من اليمين الى اليسار :أسعد الحاج أسعد، حسين نجم، جميل الحسني،(المفتش) حسن الدباغ، جميل الصالح، زهير الكرمي، محمود الغول، عبدالمحسن القطان، عبد الرزاق بدران، عبد الله قرمان، عبد الله الكيلاني،العناني، حسين أبو زينة، خيري أبو الجبين.
وفي آخر السنة الدراسية 51-52 انتخب مجلس جديد للمعارف وكان من أعضائه أحمد البشر ومحمد ملا حسين. وكانت قد نشأت في الكويت جمعية المعلمين الكويتية وكان من أركانها حمد الرجيب وأحمد العدواني وخالد المسعود وعيسى الحمد. وكانت الجمعية تضم معظم المدرسين الكويتيين.
وتعاونت جمعية المعلمين مع مجلس المعارف الجديد من أجل “تكويت” الادارة التعليمية في الكويت ونتيجة لذلك قرر مجلس المعارف الجديد استدعاء الأستاذ عبد العزيز حسين وتعيينه مديرا لمعارف الكويت اعتبارا من بداية السنة الدراسية 52-53.
كما قرر مجلس المعارف التعاقد بشروط جديدة مع المدرسين العاملين في المعارف وتم الاستغناء عن المدرسين الذين لم تعتمد شهاداتهم العلمية
وبدأ عبد العزيز حسين عمله بتعيين درويش المقدادي مساعدا له. وقال المقدادي بهـذا الخصوص “أنه قبل المنصب الجديد إيمانا منه بضرورة خدمة الكويت هذا الجزء العزيز من الوطن العربي الكبير من أي موقع كان”
وبموجب الترتيب الجديد عادت البعثة التعليمية المصرية إلى الكويت على أن يكون رئيسها ناظرا للمدرسة الثانوية دون أن يشغل أيضا مركز مدير المعارف كما كان سابقا. وكان رئيس البعثة التعليمية المصرية هو الأستاذ عبد المجيد مصطفى والذي أصبح ناظرا للمباركية الثانوية في تلك السنة الدراسية وعمل معه عدد من المدرسين المصريين والذين عملوا في المدرسة المباركية إلى جانب زملائهم المدرسين الفلسطينيين القدامى وكنت أحدهم. وفي تلك السنة 52-53 حضرت مع رئيس البعثة التعليمية مفتشة مصرية لمدارس البنات وعملت بدلا من المفتشة السابقة اللبنانية الدكتورة نجلاء أبو عز الدين.
ومن الطريف أن أذكر هنا أن المفتشة الجديدة وجهت “إنذارا” إلى زوجتي لأنها رأتها تجلس إلى جانبي في سيارتنا الخاصة دون أن تكون مرتدية للعباءة! وكانت العباءة التقليدية لا زالت مفروضة على جميع الطالبات والمدرسات سواء كن كويتيات أو غير كويتيات. وقد توقف لبس العباءة بعد مظاهرة قامت بها الطالبات الكويتيات عام 56 على ما أذكر. وكانت البداية كما قالت فاطمة حسين في مذكراتها أن طالبات المدرسة القبلية للبنات في ربيع عام 53 قمن بحرق “البوشيات” في ساحة المدرسة مطالبات بالسفور.
* ملاحظة: “البوشيات” جمع “بوشية” وهي غطاء الوجه وكانت من القماش الأسود الرقيق.
هذا ونظرا لاستمرار الحاجة إلى مدرسين ولعدم وجود مدرسين في الكويت للتعاقد معهم محليا استمر عبد العزيز حسين يتوجه كل سنة وبصحبته المقدادي للتعاقد مع المدرسين الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة للعمل في الكويت حيث كان عمل مدرسي البعثة المصرية مقتصرا على المدرسة الثانوية. وبعد ذلك بسنوات بدأت معارف الكويت تتعاقد أيضا مع مدرسين مصريين للعمل في المدارس المتوسطة والثانوية.
وفي عهد عبد العزيز حسين ازدهر التعليم ازدهارا ملحوظا وبدأ استقدام عدد من المفتشين المصريين للمعاونة في الاشراف على العملية التربوية المتنامية. وبقي عبد العزيز حسين في مركزه مديرا للمعارف إلى أن اتسعت الوزارات وأصبح لكل وزارة وكيل وزارة. فترك “أبو هاني” وزارة التربية وخلفه فيها فيصـل الصالح كوكيل وزارة وكان الوكلاء المساعدون له أحمد العدواني وعيسى الحمد وانتقل “أبو هاني” للعمل الدبلوماسي والسياسي وشغل منصب الوزير عدة مرات وقام بتمثيل الكويت والدفاع عن قضاياها في المحافل العربية والدولية منذ استقلالها عام 1961.
ويذكر أنه في عهد عبد العزيز حسين انشئت ثانوية الشويخ والكلية الصناعية ومدرسة الصديق ومدرسة الشامية ومدرسة صلاح الدين والمطبخ المركزي وقد أنشئت تلك البنايات على أحدث طراز وقام ببنائها الشركات الخمس التي تولت الأعمال الإنشائية في الكويت لعدة سنوات منذ عام 1952. كما أنشئت في عهده روضات الأطفال لاستيعاب أطفال الكويت من سن 4 سنوات. وكانت أول ناظرات لتلك الروضات كلا من زينب سيف الدين لروضة المهلب، وهيفاء أبو الهدى لروضة طارق وابتهاج صوالح لروضة المنصور.
وفيما يتعلق بحياتي الشخصية في تلك السنة التعليمية (52-53) أذكر أنني في بدايتها سكنت “على حسابي” لأول مرة حيث توقفت دائرة المعارف بموجب قرار المجلس الجديد عن اعطاء المدرسين (من غير أعضاء البعثة المصرية) بيوتا حكومية مفروشة واكتفت باعطاء كل مدرس علاوة سكن مقدارها خمسين روبية شهريا ولذلك اضطررت لاستئجار منزل أجرته 250 روبية شهريا يقع في “حي القبلة” يملكه “الحميضي” وهو يقع في الأرض المقامة عليها بناية مجلس الأمة الكويتي حاليا … وفي ذلك المنزل رزقت بابني الثاني “وائل”. وكان عقد ايجار المنزل لسنة واحدة وفي نهاية تلك السنة طلب صاحب الدار مضاعفة الإيجار وطلب 500 روبية أجرة شهرية لمنزلنا نظرا لازدياد الطلب على استئجار المساكن وقلة المعروض منها بعد أن حضر وافدون جدد للعمل في القطاع الأهلي في الكويت وكان قرار رفع ايجار المنزل صعبا جدا عليّ .. ولكني حمدت الله أنني في بداية السنة المدرسية التالية حصلت على أحد بيوت ثانوية الشويخ إذ نقلت للتدريس فيها في بداية السنة الدراسية 53-54.
هذا ومن أجل رعاية مولودنا الجديد “وائل” وكذلك رعاية أخيه نادر من قبل استعنا ببعض السيدات الكويتيات ليبقين بقرب الطفل في فترة الصباح أثناء غيابي وغياب زوجتي وشقيقتي للعمل.
أما في فترة بعد الظهر فكنا نتناوب البقاء بجانب ولدينا وقد أمكن ترتيب ذلك لأن معظم الحصص التي كنت أدرسها كانت في فترة الصباح باعتباري مدرسا للرياضيات!!
وأذكر أننا كنا ندفع خمسين روبية شهريا لكل من “أم يعقوب” و”حليمة” و”الخالة أم حليمة” لقاء عملهن معنا صباحا لمدة ثلاث أو أربع ساعات. ولكن عندما انتقل سكننا إلى ثانوية الشويخ كان لزاما علينا أن نحضر خادمة من الخارج لرعاية طفلينا لأن الشويخ كانت بعيدة عن “الديرة” ولم تتمكن “الخالة” من الوصول إليها في صباح كل يوم لرعاية طفلينا!!
وابتداءا من عام 1953 بدأنا باستخدام خادمات من سوريا والأردن ومصر. وفي أواخر السبعينات بدأنا نستقدم الخادمات من الهند ومن دول شرق آسيا. وأصبح راتب الخادمة أضعافا مضاعفة!!
ثانوية الشويخ
في أواخر عهد المقدادي مدير المعارف السابق اتخذ مجلس المعارف قرارا بإنشاء مدرسة ثانوية كاملة في منطقة الشويخ فيها جميع المرافق والملاعب على أن يكون فيها قسم داخلي لإسكان الطلاب كما يسكن مدرسوها في مساكن مجاورة لبناية المدرسة الرئيسية. وأذكر أن عضو المجلس عبد المحسن الخرافي كان من أكثر الأعضاء حماسا لهذه الفكرة. وكان يراقب ويواكب عمليتي تخطيط وتنفيذ هذا المشروع والذي اكتمل في صيف عام 1953.
وهكذا بدأت الدراسة في تلك المدرسة اعتبارا من بداية السنة الدراسية 53-54 فانتقلت المدرسة المباركية الثانوية إلى الشويخ بطلابها وبجهازها الفني والاداري. وأصبحت ثانوية الشويخ هي المدرسة الثانوية الوحيدة في الكويت وبقيت المدرسة المباركية مدرسة متوسطة للبنين. وتم فيما بعد تحويل بنايتها لتكون مكتبة عامة اسمها المكتبة الوطنية. واطلق اسم المباركية على مدرسة متوسطة جديدة في منطقة الفروانية.
وقد كلفت ببناء ثانوية الشويخ شركة المقاولين اللبنانية كات CAT والتي يملكها أميل البستاني وكان من رجال الأعمال البارزين في العالم العربي في الخمسينات. واستغرق انشاء بنايات المدرسة ومساكن الطلبة ومساكن المدرسين أكثر من عامين. وكانت دائرة الأشغال العامة والتي كانت قد أنشئت في عام 51 هي المشرفة على بناء تلك المدرسة والتي بنيت بأسلوب cost plusأي أن يأخذ المقـاول أجرا له نسبـة مئوية من تكاليف البناء. وأذكر أن شركة “كات” اللبنانية أعطيت 15% من تكاليف البناء أجرا لها. وسبب اللجوء إلى هذا الأسلوب هو عدم معرفة أهل الكويت بتكاليف البناء إذ لم يكن قد أنشئ في الكويت قبلا أي بناية كبيرة حتى تعرف التكاليف الإجمالية للبناء بعد معرفة تكلفة كل بند. وأصبح هذا الأسلوب هو الأسلوب المتبع في مقاولات البناء لسنوات عديدة تالية وقد لجأت الحكومة إلى هذا الأسلوب أيضا عند بناء الكلية الصناعية بجوار المدرسة الثانوية بالشويخ. والعيب في اتباع هذا الأسلوب هو أن المقاول يلجأ أحيانا إلى زيادة التكاليف ليحصل على أجر أعلى. وقد روي أنه عند بناء الكليـة الصناعيـة أقيمت فيها بجانب الورش – بدون لزوم – أعمدة من الرخام المرصع بالفسيفساء حتى تزيد التكاليف. كما كان هناك تلاعب في تكرار حساب عدد السيارات الحاملة للمواد المستعملة في البناء حتى تزيد التكاليف وبذلك يحصل المقاول على أجر أكبر لأن أجره كما قلت 15 بالمائة من التكاليف.
هذا وعند انتقالنا من الكويت خصص لي ولأسرتي أحد المنازل الثمانية التي أعدت للمدرسين في تلك المدرسة وقد “تقاسمت” المنزل مع زميل لي هو الدكتور محمود السمرة وذلك لأن البيوت التي بنيت كان عددها أقل من عدد المدرسين. وقد رزقت في ذلك المنزل في عام 56 بابنتي الكبرى وأسميتها “زلفى” تيمنا باسم والدتي. ومن الشائع في فلسطين والأقطار العربية المجاورة تسمية الولد باسم الجد تيمنا. وهذه العادة غير شائعة في الكويت.
وقد تم عام 56 بناء بيوت أخرى لسكن المدرسين وخصص لكل مدرس منزل مستقل فيها. وكانت مساكن الثانوية الأولى فخمة البناء حتى أن الكثيرين من أصدقائي كانوا يحضرون من الكويت خصيصا لمشاهدة دارنا التي كانت أرضها “مبلطة” خلافا لدور “الديرة” آنذاك.
وكان “مجمع الثانوية” رائعا يضم المرافق المختلفة والملاعب والمسارح وناد للمدرسين يعرض فيه أفلام سينمائية، وكنا قبلا نذهب للأحمدي لمشاهدة فيلم سينمائي. كما كان هناك ناد للطلاب المقيمين في المساكن الداخلية. وهيأ سكن الطلاب في تلك المساكن فرصة طيبة للقاء الطلبة العرب من مختلف الجنسيات حيث كان يدرس في الثانوية آنذاك عدد كبير منهم. فقد استضافت الكويت في الخمسينات بعثات من طلبة دول المغرب العربي للدراسة فيها وكنت شخصيا أدرس مادة الرياضيات في الصف الثالث الثانوي لطلبة تونسيين وجزائريين ومغاربة وكان هؤلاء عند انتهاء دراستهم الثانوية يتقدمون لامتحان شهادة الدراسة الثانوية الكويتية. وكانت اللغة الفرنسية هي اللغة الثانية التي يدرسونها بدلا من اللغة الانجليزية التي يدرسها باقي الطلاب.
هذا وكان في مجمع ثانوية الشويخ عيادة طبية خاصة لسكان المجمع وأذكر أن صديقي وزميلي السابق بالكلية الرشيدية بالقدس الدكتور سليمان أبو ستة كان الطبيب المسؤول عن تلك العيادة وكان يسكن معنا هو وعائلته في أحد المنازل المخصصة لنا هناك.
هذا وكان المسرح الرئيسي في المدرسة أكبر مسرح في الكويت وكانت تنظم فيه المحاضرات العامة والمواسم الثقافية السنوية والتي بدأها عبد العزيز حسين مدير المعارف وكان يشارك فيها عدد كبير من الأدباء والمفكرين العرب ويحضرها الكثيرون من المثقفين.
كما أن ملعب الثانوية كان أول ملعب يضاء بالأنوار الكاشفة وكان أكبر ملعب في البلاد وكانت تقام عليه المباريات الرياضية الرئيسية والمهرجانات الرياضية والوطنية في المناسبات المختلفة وقد شهد ذلك الملعب الاحتفال بقدوم جميلة بوحيرد المناضلة الجزائرية والاحتفالات بالوحدة بين مصر وسوريا وغيرها. وكانت تنظم في المناسبات الوطنية حملات للتبرع وقد تبرع المدرسون والموظفون في الكويت آنذاك براتب شهر كامل لإعادة بناء مدينة بورسعيد الخالدة، كما تبرعوا لدعم الثورة الجزائرية!!
وكان معظم المدرسين في ثانوية الشويخ من المدرسين المصريين والفلسطينيين ولم يكن فيها في السنين الأولى أي مدرس كويتي وبعد سنوات قليلة شارك في التدريس هناك عدد من المدرسين الكويتيين الذين تخرجوا من الجامعات والمعاهد العربية والأجنبية وأذكر منهم ابراهيم الشطي وسليمان المطوع والذي أصبح ناظرا لثانوية الشويخ فيما بعد.
واستمررت في عملي وسكني بثانوية الشويخ حتى عام 1958 عندما نقلت منها للعمل في وزارة الكهرباء وأذكر أنه في عام 1960 أنشئت في الكويت مدرسة ثانوية أخرى للبنين هي ثانوية كيفان. وبعد أن اكتملت الصفوف الثانوية في المدرسة القبلية للبنات ونقلت إلى بناية مستقلة مجاورة أصبح في الكويت ثلاث مدارس ثانوية يتقدم طلابها وطالباتها لامتحان شهادة الدراسة الثانوية الكويتية والتي أصبحت باشراف كويتي كامل بعد أن كان رئيس البعثة التعليمية المصرية وناظر المدرسة الثانوية الأستاذ عبد المجيد مصطفى يسافر إلى القاهرة كل سنة لإحضار أسئلة الامتحان التي كانت تضعها وزارة التربية والتعليم في مصر … هذا وكانت شهادة الدراسة الابتدائية في الكويت قد الغيت عند تغيير نظام التعليم فيها لتصبح هناك ثلاث مراحل: ابتدائية ومتوسطة وثانوية بدلا من الروضة والابتدائي والثانوي وأصبح هناك أربعة صفوف في كل من المرحلتين الابتدائية والمتوسطة وخمسة صفوف في المرحلة الثانوية. وكان امتحان الثقافة بعد الرابع الثانوي قد ألغى أيضا في أواسط الخمسينات وأصبح طلاب المدرسة الثانوية يتقدمون فقط للامتحان بعد الخامس الثانوي بفروعه الثلاثة الأدبي والعلمي والرياضي.
الباب الخامس – بدايات الحركة الرياضية في الكويت