الباب السابع – إعلان استقلال الكويت وصدور الدستور

الذكرى الأولى لاعلان الوحدة المصرية السورية

وأثناء عملي في دائرة الكهرباء العامة أقيم احتفال ضخم في الملعب الرئيسي بثانوية الشويخ يوم أول شباط – فبراير – عام 1959 بمناسبة الذكرى الأولى لاعلان الوحدة بين مصر وسوريا تلك الوحدة التي احتفلنا باعلانها في العام الأسبق أثناء عملي في ثانوية الشويخ. وفي ذلك اليوم احتشد الملعب بجموع المواطنين والمقيمين احتفالا بهذه المناسبة التاريخية. وكان الشيخ عبد الله الجابر رئيس المعارف على رأس الحاضرين. وقد القيت في ذلك الاحتفال كلمات وقصائد تشيد بهذا الاتحاد العربي الضخم. وكانت كلمة جاسم القطامي حماسية للغاية وكان القطامي من رجال الحركة الوطنية في الكويت ورئيس اللجنة الأولومبية والاتحاد الكويتي لكرة القدم .. واعتبرت تلك الكلمة خروجا على النظام.. فقامت الحكومة باعتقال القطامي ثم أفرجت عنه بعد ذلك .. كما قامت الحكومة بحل الأندية والاتحادات الرياضية القائمة. ولكنها ما لبثت أن سمحت بإنشاء أندية رياضية جديدة اعتبارا من عام 1960 كما بينت في السابق.

وفي ذلك العام أي في عام 1959، قامت الحكومة الكويتية باعتقال عدد من الموظفين العرب الشيوعيين وأبعدتهم عن البلاد وذلك بعد أن استفحل المد الشيوعي في العراق إبان حكم عبد الكريم قاسم. وقد واكبت تلك الأحداث وتأثرت بها إذ كنت في ذلك الوقت سكرتيرا للاتحاد الكويتي لكرة القدم.

هذا وقد استمررت في عملي بوزارة الكهرباء حتى نهاية عام 64. وخلال تلك السنوات كنت أسافر مع أسرتي كل صيف إلى الخارج إذ أنه حسب النظام الذي كان معمولا به كانت الوزارة تعطيني أنا وعائلتي تذاكر سفر من الكويت للقاهرة وهي مكان تعاقدي الأصلي مع حكومة الكويت عندما عينت عام 48 بدائرة المعارف. وكان انتقالي لوزارة الكهرباء قد حفظ حقوقي كموظف قديم ولم تكن الحكومة تدفع ثمن التذاكر لمن لا يسافر فعلا. لهذا كنا نحرص على السفر سنويا في اجازتي ومدتها 45 يوما في السنة.

اعلان استقلال الكويت

وفي صيف عام61 كنت في اجازتي الصيفية المعتادة واصطحبت أولادي نادر ووائل في رحلة للضفة الغربية حيث زرت وإياهم القدس والخليل ورام الله وبيت لحم وما جاورها. وقد زرنا في القدس كلا من المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة كما زرنا كنيسة المهد في بيت لحم والحرم الابراهيمي في الخليل. وكان سرور أولادي لهذه الزيارات لا يوصف.

وعندما عدت من الضفة الغربية في طريقي إلى القاهرة وصلني نبأ انتقال والدي إلى رحمة الله في القاهرة فاضطررت إلى الإسراع في السفر إلى القاهرة لتقبل العزاء.

وفي أثناء وجودنا في القاهرة أعلن سمو الشيخ عبد الله السالم أمير الكويت الغاء المعاهدة الكويتية البريطانية كما أعلن استقلال الكويت وكان ذلك يوم 19 حزيران – يونيو- 1961. وقد سررت كل السرور لسماع ذلك الخبر من هذا الانجاز التاريخي وأذاعت النبأ معظم إذاعات العالم

صاحب السمو الشيخ عبد الله السالم (أبو الدستور) عند إعلان الإستقلال ويظهر الى جانبه سكرتير سموه وهو هاني القدومي صديق المؤلف الذي رافقه عند وصولهما الى الكويت في 8/11/1948
صاحب السمو الشيخ عبد الله السالم (أبو الدستور) عند إعلان الإستقلال ويظهر الى جانبه سكرتير سموه وهو هاني القدومي صديق المؤلف الذي رافقه عند وصولهما الى الكويت في 8/11/1948

تهديد عبد الكريم قاسم للكويت

ولكن فرحتنا لسماع نبأ استقلال الكويت لم تدم طويلا إذ سمعنا بعد ذلك بساعات أن عبد الكريم قاسم حاكم العراق قد رفض ذلك الاعلان وهدد باحتلال الكويت مدعيا أن الكويت تابعة لولاية البصرة!! وقد رفضت كل الدول العربية باستثناء العراق في اجتماع الجامعة العربية ادعاءات عبد الكريم قاسم كما رفضتها الشعوب العربية قاطبة لأن فيها مغايرة للحقيقة التاريخية بأن الكويت لم تكن تابعة للعراق في يوم من تاريخها بل كانت ولاية مستقلة تتبع شكليا للخلافة في استانبول أثناء العهد العثماني!!

وعلى إثر اعلان قاسم نيته في الزحف لاحتلال الكويت قامت بريطانيا بانزال قوات عسكرية على الحدود بين الكويت والعراق … إلا أن تلك القوات سحبت بعد أن قررت الجامعة العربية ارسال قوات عربية لحماية الكويت. وكانت الجمهورية العربية المتحدة من أوائل الدول التي أرسلت قوات برية إلى الكويت وكان ذلك في شهر أيلول – سبتمبر – من ذلك العام وبذلك أجهضت محاولة اعتداء العراق على الكويت.

وأشير بهذا الصدد إلى أن المواطنين والوافدين في الكويت شجبوا ادعاءات عبد الكريم قاسم، وأعلنت الجالية الفلسطينية في الكويت استعدادها للذود عن الكويت بالسلاح. وتوجه بعض الشبان الفلسطينيين إلى مراكز البوليس والجيش طالبين السلاح للذود عن الكويت. والجدير بالذكر أنه في السبعينات حصلت مناوشات على حدود الكويت الشمالية واستشهد فيها عدد من رجال الشرطة فقامت مظاهرات طلابية في الكويت هتف فيها الطلاب الكويتيون والفلسطينيون وغيرهم قائلين “يا أبو سالم عطنا سلاح احنا نحارب وانت ارتاح. وهذه الواقعة رواها لي ابني سامر الذي كان أحد الطلاب المشتركين في تلك المظاهرة.

رفع الفيتو السوفييتي لمنع دخول الكويت الأمم المتحدة

وبعد أن اندحر العدوان العراقي على الكويت بدأت الحكومة الكويتية بالاستعداد لارسال سفراء ومبعوثين سياسيين إلى الأقطار العربية الشقيقة والدول الأجنبية الصديقة فأوفدت عبد العزيز حسين إلى الجامعة العربية وقدمت طلبا للأمم المتحدة طالبة الانضمام إليها، ولكن ذلك الطلب ووجه بـ “فيتو” من الاتحاد السوفييتي على اعتبار خاطئ أن الكويت كانت ولا تزال مرتبطة ببريطانيا العظمى وتابعة لها!!!

ومن أجل رفع ذلك الفيتو سافر أحمد الشقيري (عندما كان ممثلاً لفلسطين في الجامعة العربية) إلى موسكو ونجح في اقناع القادة السوفييت بأن الكويت أصبحت دولة مستقلة بالفعل وهي ليست مرتبطة بأي حلف مع بريطانيا العظمى أو غيرها .. وهكذا رفع الفيتو وأصبحت الكويت عضوا في هيئة الأمم المتحدة في عام 1962.

صاحب السموالشيخ صباح السالم
صاحب السموالشيخ صباح السالم

وقد قام أحمد الشقيري بهذا العمل بناء على طلب الشيخ صباح السالم رئيس وزراء الكويت آنذاك.

ومن واجبي أن أذكر هنا أن الكثيرين نسبوا إلى أنفسهم شرف اقناع القادة السوفييت برفع ذلك الفيتو. فقد سمعت أن أحد مندوبي الهند في المنظمة الدولية قال أنه هو الذي سعى مع القادة السوفييت لرفع الفيتو عن الكويت. وسمعت أيضا أن ذلك المندوب قبض مكافأة أجرا له على ذلك!!

كما ذكر طلعت الغصين في مذكراته أنه ساهم شخصيا في عملية ادخال الكويت إلى الأمم المتحدة.!

والمهم أني أسجل للتاريخ أنني اطلعت شخصيا على الرسالة الأصلية (وكانت بخط اليد كما أذكر) والموقعة من سمو الشيخ صباح السالم (رئيس وزراء الكويت في 1962) إلى أحمد الشقيري يطلب منه فيها العمل على اقناع القادة السوفييت لرفع الفيتو والموافقة على دخول الكويت للأمم المتحدة. وقد طلب الشيخ صباح من الشقيري ذلك لأنه كان يعرف أن للشقيري علاقات طيبة مع المسؤولين السوفييت منذ التقى معهم في مؤتمر باندونج وكذلك من خلال لقائه بالمندوبين السوفييت في الأمم المتحدة حيث كان الشقيري فيها ممثلا للحكومة السورية ثم ممثلا للمملكة العربية السعودية. وقد أكد لي هذه الواقعة مسؤولون في الخارجية الكويتية عندما اجتمعت بهم لاستجلاء بعض الأمور أثناء اعدادي بحثا عن علاقة الكويت بالقضية الفلسطينية قدمته للموسوعة الفلسطينية عام 81. ويذكر التاريخ أنه كان للشقيري جهود كبيرة في الأمم المتحدة ساعدت في حصول كل من تونس والمغرب وليبيا على الاستقلال. كما كانت للشقيري جهود في نصرة الثورة الجزائرية. ومن المؤسف أن أذكر الآن أن رسالة الشيخ صباح السالم للشقيري تلك قد استولت عليها القوات الصهيونية مع غيرها من الوثائق عندما احتلت بيروت عام 1982 وبالتالي فقد نهبت تلك القوات مكتبة الشقيري وأثاث منزله في قرية كيفون اللبنانية كما استولت القوات الصهيونية آنذاك أيضا على كتب ووثائق مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت.

انشاء السفارات الكويتية في الخارج

وبعد انقشاع تلك الغمة، بدأت الكويت في توطيد علاقاتها الدبلوماسية مع الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة من خلال تعيين سفراء لها في تلك الدول. وأذكر أن من أوائل السفراء كان حمد الرجيب للقاهرة وحسن الدباغ لجنيف وعبد الرزاق الرزوقي للأردن وعبد الله حسين للمغرب والسيد رجب الرفاعي لتونس وعبد الرحمن العتيقي ثم طلعت الغصين لواشنطن وغازي الريس للندن. كما عين عيسى الحمد في وقت لاحق سفيرا للكويت في فرنسا وعلي زكريا في الهند. كما كان من أوائل من عملوا في السلك الدبلوماسي مهلهل المضف وسعيد شماس وأحمد غيث عبد الله وعبد الحميد البعيجان وطلعت الغصين ثم عادل الجراح وأذكر أن جاسم القطامي عين آنذاك وكيلا لوزارة الخارجية وكانت بناية الخارجية في منطقة النزهة. وفي تلك السنة تألفت أول وزارة كويتية في عهد الاستقلال وكانت برئاسة الشيخ صباح السالم. ومما أذكره بهذا الخصوص أن السفير العتيقي اصطحب معه لواشنطن سكرتيره في وزارة الصحة الصديق جميل الحسني الذي استمر يعمل في السفارة الكويتية هناك مستشارا ونائبا للسفير لأعوام طويلة.!

صدور دستور الكويت وانتخاب مجلس الأمة

بعد أن انضمت الكويت إلى الأمم المتحدة ورسخت إلى حد ما علاقاتها الخارجية واندحرت فكرة العدوان العراقي على الكويت، دعا الشيخ عبد الله السالم أمير الكويت إلى قيام نظام حكم دستوري في البلاد وجرت في أواخر عام 1962 انتخابات شعبية لتأسيس مجلس تأسيسي منتخب يقوم بوضع دستور البلاد. وقد حدثت هذه الانتخابات في جو ديموقراطي أسفر عن انتخاب خمسين شخصا لهذا المجلس من مناطق الكويت المختلفة وعقد المجلس أول جلساته وانتخب فيها عبد اللطيـف ثنيان رئيسا له وأحمد الخطيب نائبا للرئيس. واستمر المجلس في عمله عدة شهور قام خلالها بوضع مشروع دستور دولة الكويت.

وقد نظم الدستور الحياة البرلمانية في الكويت وكرس الحفاظ على الحريات العامة ودعا إلى عدم التفرقة بين المواطنين من حيث الجنس والدين والعرق. كما رسى قاعدة أساسية وهي أن يكون أعضاء الحكومة (الوزراء) أعضاء في مجلس الأمة بحيث لا تزيد نسبتهم عن ثلث أعضاء المجلس الخمسين. وكان هذا الدستور أول دستور يصدر في منطقة الخليج العربي. وقد صادق عليه أمير الكويت الشيخ عبد الله السالم والذي سمي “أبو الدستور”.

وصدر الدستور الكويتي عام 1962 وبموجبه جرت في ذلك العام أول انتخابات لمجلس الأمة الكويتي. وأذكر أن أول رئيس لمجلس الأمة كان عبد العزيز حمد الصقر وكان النائبان سعود العبد الرزاق وجاسم القطامي.

 

الباب الثامن – أنشطة شخصية في السبعينات والثمانينات