الباب الثاني – إنشاء منظمة التحرير

الشقيري يستكمل جولاته العربية للدعوة للكيان

بعد أن غادر أحمد الشقيري الكويت استكمل جولاته في البلاد العربية لابراز الكيان الفلسطيني، وقد واجهت الشقيري مشكلتان رئيسيتان أولاهما رفض مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني التعاون مع الشقيري رغم أن الشقيري عرض عليه أن يكون الرئيس الفخري للمؤتمر الفلسطيني المقبل. وقد استمرت مجلة الهيئة العربية العليا التي كانت تصدر في بيروت بمهاجمة الكيان والشقيري واتهمته بالرجعية. وكان المفتي يقول باستمرار أن لا أحد يمثل فلسطين إلا الهيئة العربية العليا.

وقد أكد لي الأخ جميل بركات والذي كان قريبا من المفتي منذ الثلاثينيات أن الشقيري أرسله لاقناع المفتي بالتعاون معه لابراز الكيان الفلسطيني وعرض عليه أي يكون رئيسا للمؤتمر الفلسطيني المقبل ولكن المفتي “كسفه” ورفض ذلك العرض!؟

والمشكلة الثانية التي واجهت الشقيري هي تردد الملك حسين ملك الأردن بالنسبة لموضوع الكيان المقبل.

وفي لقاءات الشقيري مع الملك حسين بين له أن الكيان الفلسطيني المقبل لن يعمل على فصل الضفة الغربية عن المملكة الأردنية الهاشمية وأن الكيان سيتعامل مع الفلسطينيين خارج الأردن، ولأن الملك حسين كان حساسا بالنسبة لموضوع التسليح فقد أكد له الشقيري أنه لن يكون هناك “جيش تحرير” بل “كتائب فلسطينية”.

ويذكر أن الشقيري كاد ييأس من اقناع الملك حسين بافتتاح المؤتمر. وفي آخر لقاء بينهما وكان في مدينة العقبة اقتنع الملك ووعد بحضور حفل الافتتاح وحضر فعلا وافتتح المؤتمر كما سأبين فيما بعد…

بعد ذلك قام الشقيري بجولات في مدن وقرى الضفة الشرقية والضفة الغربية تحدث فيها عن الكيان وكان يقابل بهتاف الجماهير “يا شقيري بدنا سلاح!” وفي تلك الجولات اتفق على تأليف لجان تحضيرية في كل قرية ومدينة لاختيار ممثليها للمؤتمر الفلسطيني المقبل.

وكان الشقيري يقابل بالترحاب والحماس من الفلسطينيين القاطنين في الدول العربية المختلفة التي زارها.

وقد زار الشقيري في جولته بلاد المغرب العربي تونس والمغرب والجزائر كما زار كل أقطار المشرق العربي باستثناء السعودية التي رفضت أن تتعاون مع الشقيري آنذاك وبالتالي لم ترسل مندوبا عنها لحفل افتتاح المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول كما فعلت باقي الدول العربية.

وفي جولاته تلك لمس الشقيري مدى تعلق الجماهير بفكرة الكيان.. وقد قامت تجمعات فلسطينية كثيرة باجراء انتخابات فيما بينها لاختيار ممثليها في المؤتمر المقبل بينها تجمعات الفلسطينيين في الكويت كما سبق أن أشرت وكذلك بعض التجمعات الفلسطينية في مصر أما قطاع غزة فكان قد أجرى انتخابات لاختيار أعضاء “الاتحاد القومي”، وتم انتخاب خمسين شخصا رشحوا جميعا لمؤتمر القدس المقبل، أما الدول التي لم تجر فيها انتخابات للفلسطينيين فقد تألفت فيها لجان تحضيرية – كما حصل في المملكة الأردنية – لاختيار ممثلي الفلسطينيين فيها للمؤتمر.

اختيار أعضاء المؤتمر الوطني الفلسطيني

وبعد أن أكمل الشقيري جولاته في البلاد العربية شكلت اللجنة التحضيرية الرئيسية في الأردن التي قامت بالإعداد للمؤتمر وترشيح ممثلي الأردن فيه واتفق علي أن يعقد المؤتمر الوطني الفلسطيني في القدس في 28 أيار 64 في فندق الانتركونتيننتال وأن يكون أمين القدس روحي الخطيب هو عريف حفل الافتتاح. وبالنسبة لترشيحات الأردن اتفق على أن يحضر المؤتمر من الأردن كل فلسطينيي الأصل من أعضاء مجلس النواب الأردني ومجلس الأعيان ورؤساء البلديات المنتخبين والوزراء من أصل فلسطيني ورؤساء النقابات المهنية والحكومية بالإضافة إلى الشخصيات الوطنية التي رشحتها اللجان التحضيرية التي تم تأليفها في سائر الأنحاء.

وبالنسبة لأعضاء المؤتمر من قطاع غزة اتفق على أن يكون كل الأشخاص الذين سبق انتخابهم للاتحاد القومي وعددهم خمسون شخصا أعضاء في المؤتمر الفلسطيني.

وبالنسبة لسوريا ولبنان اعتمدت ترشيحات اللجان التحضيرية التي ألفت هناك. والجدير بالذكر أن الشقيري حاول اشراك ممثلين من الحركات والتنظيمات الفلسطينية المختلفة في المؤتمر وقد تفاوض مع حركة فتح واتفق على تمثيلها في المؤتمر بنحو سبعة أشخاص اختيروا جميعهم من أعضاء فتح من دول الخليج وأذكر منهم من قطر كمال عدوان ورفيق النتشة ومن الكويت ياسر عرفات وخالد الحسن ونصوح السعدي.

وبالنسبة لباقي الأعضاء المختارين من الكويت أذكر أن الشقيري أرسل أسماءهم ببرقية إلى هاني القدومي سكرتير سمو الأمير الشيخ عبد الله السالم وهم: هاني القدومي، خالد الحسن، ياسر عرفات، نصوح السعدي، فايز فضة، خيري أبو الجبين، يحيى غنام، عبد المحسن القطان، زكي أبو عيد، عبد الكريم الشوا، سعيد بريك، خليل الشاعر، عصام عاشور، ابراهيم حماد، موسى حمدان، محمود السمرة وعثمان أبو حاشية وزينب ساق الله.

وقد أرسل الشقيري فيما بعد ببرقيـة أخـرى باختيـار د. ابراهيم زقوت ونواف أبو كشك وعبد الفتاح جبريل ومحمود عبد الفتاح الحسن، أعضاء في المؤتمر.

ويمكن القول أن الشقيري اختار سبعة أشخاص فقط من اللجنة العليا لأبناء فلسطين التي تم انتخابها في الكويت وعدد أعضائها 22 شخصا كما سبق أن ذكرت وهم خيري أبو الجبين، يحيى غنام، زكي أبو عيد، زينب ساق الله، ابراهيم حماد وخليل الشاعر وعبد الفتاح جبريل. أما بقية من اختارهم الشقيري من الكويت فلم يكونوا منتخبين وقد اختارهم الشقيري لاعتبارات عدة فمثلا ياسر عرفات وخالد الحسن ونصوح السعدي اختيروا على اعتبار أنهم يمثلون حركة فتح بينما لم يكونوا قد انتخبوا في الكويت إذ انتخب غيرهم من حركة فتح في تلك الانتخابات وهم علي الحسن ومحمد حسن السعدي وهذان لم يدخلا المؤتمر الوطني؟!

ومن الكفاءات العلمية والشخصيات الفاعلة في الكويت اختار الشقيري عبد المحسن القطان وسعيد بريك وهاني القدومي ومحمود السمرة وعبد الكريم الشوا.

واختير الدكتور ابراهيم زقوت ليمثل تنظيما فلسطينيا صغيرا هو حركة ج ت ف.

واختير نواف أبو كشك لتمثيل عرب أبو كشك. واختير عثمان أبو حاشية باعتباره مناضلا من قرية سلمة “الباسلة”. وقد يكون السبب في اختياره أنه ينتمي لمنظمة الصاعقة. كما تم اختيار محمود عبد الفتاح الحسن كونه يمثل تجمع “الحركة العربية الواحدة”.

واختير فايز فضة ممثلا لعمال فلسطين (كما قال الشقيري)، أما موسى حمدان وعصام عاشور فقد اختيرا في رأيي لأنهما كانا قريبين من حركة القوميين العرب التي رفضت التعاون مع الشقيري في بيروت وبالتالي لم يرشح أي عضو منها رسميا للمؤتمر ومع أن عددا من أعضاء تلك الحركة قد فازوا في انتخابات الفلسطينيين في الكويت إلا أن الشقيري لم يدع أحدا منهم للمؤتمر.

وهذا هو تفسيري الخاص لأسباب اختيار الشقيري أشخاصا لم يتم انتخابهم. وفي رأيي أنه كان على الشقيري أن يدعو للمؤتمر الفلسطيني كل الأشخاص الذين تم انتخابهم في الكويت بدلا من أن يدعو أشخاصا لم يدخلوا الانتخابات وآخرين سقطوا في تلك الانتخابات. وإلا فما فائدة الانتخابات؟! وأين الديمقراطية في هذا التصرف؟!

وبالمناسبة أقول إن شريف الجعبري اختير عضوا في المؤتمر لأنه فاز في انتخابات الفلسطينيين في قطر وكذلك رفيق النتشة.

افتتاح المؤتمر الوطني الفلسطيني

وبالنسبة لنا نحن الأعضاء المختارين من الكويت أذكر أن هاني القدومي الذي تسلم برقية الشقيري دعانا إلى منزله للتشاور. وفي ذلك اليوم التقيت لأول مرة بالرئيس ياسر عرفات (أبو عمار) ولا يمكنني الجزم الآن هل حضر أبو عمار المؤتمر الفلسطيني أم لم يحضر لأني لم أجتمع به هناك، كما أنني لاحظت أن موسى حمدان وعصام عاشور لم يكونا بين الحاضرين مع أنهما كانا من المدعوين لحضور ذلك المؤتمر.

وفي يوم 26 أيار توجهنا إلى القدس عن طريق مطار قلنديا وقد رافقني في رحلتي العضوان ابراهيم زقوت وخليل الشاعر. وفي المطار فوجئنا باجراءات أمنية مشددة وتم التحقيق معنا قبل السماح لنا بالدخول. وتوجهنا بعد ذلك إلى مقر اقامتنا في فندق انتركونتيننتال حيث عقد المؤتمر.

وأمضينا اليوم التالي في القدس في التعرف على أجواء المؤتمر ولقاء الأعضاء القادمين من مختلف البلاد العربية. والتقيت هناك مع صديقي د. وليد القمحاوي وبهجت أبو غربية واللذين كانا مترددين بالنسبة لحضور المؤتمر وكان القمحاوي قد دعي للحضور بصفته نقيبا للأطباء، بينما دعي بهجت أبو غريبة كأحد ممثلي مدينة القدس. وأراد الصديقان أن يأخذا رأيي باعتباري أصبحت بعد انتخابي رئيسا لمؤتمر الكويت قريبا من الشقيري وعارفا الكثير عن فكرة الكيان. وقد حاولت اقناعهما بأنه لا توجد شكوك حول الشقيري وأني أنصح بمشاركتهما فـي المؤتمر وانجاحـه حتى يبرز الكيان الفلسطيني بالصورة التي نريـدها له..! وأذكـر أن القمحاوي قد اقتنع برأيي وحضر جلسات المؤتمر ولكن بهجت أبو غربية أخبرني فيما بعد أنه لم يحضر جلسة افتتاح المؤتمر مع أن الصحف الأردنية الصادرة في اليوم التالي للافتتاح ذكرت أنه كان بين الحاضرين. وقال لي أبو غربية أن سبب عدم حضوره جلسة الافتتاح أنه كانت لا تزال لديه ولدى بعض شباب القدس بعض الشكوك حول الشقيري ومهمته التي كلف بها من الجامعة العربية!!؟ وكانوا لا زالوا خائفين من أن الشقيري كان قادما لتصفية القضية!!

وفي صباح اليوم التالي 28 أيار (وهو اليوم الذي أصبحت تحتفل فيه المنظمة بذكرى تأسيسها) توجهنا مبكرين إلى قاعة الاجتماع وكان أمين القدس روحي الخطيب على رأس اللجنة المشرفة على الاستقبال والتنظيم الذي كان في غاية الروعة وبعد أن أخذنا أماكننا في القاعة، دخل جلالة الملك حسين وعبد الخالق حسونة أمين عام الجامعة العربية وأحمد الشقيري وممثلو الملوك والرؤساء العرب في المؤتمر وأذكر منهم حسن صبري الخولي ممثل الرئيس جمال عبد الناصر وخالد سليمان العدساني ممثل أمير الكويت الشيخ عبد الله السالم وآخرون يمثلون الملوك والرؤساء العرب المؤتمر الوطني الفلسطينيوكان منهم سفراء الدول العربية الأخرى في المملكة الأردنية الهاشمية.

وبدأ المؤتمر عريف الحفل أمين القدس روحي الخطيب بكلمة ترحيبية مناسبة رحب فيها بالملك حسين والأمين العام للجامعة وممثلي الملوك والرؤساء العرب والأعضاء الذين كان يتقدمهم أحمد الشقيري ممثل فلسطين في الجامعة العربية والمكلف من مؤتمر القمة الأول “باجراء الاتصالات اللازمة مع أبناء فلسطين والدول العربية لإيجاد أفضل السبل لإقامة الكيان الفلسطيني”.

وبعد انتهاء الخطيب من القاء كلمته قدم للمؤتمر جلالة الملك حسين الذي افتتح المؤتمر بكلمة مناسبة وتحدث بعده عبد الخالق حسونة أمين الجامعة العربية … بعد ذلك تقدم أحمد الشقيري إلى المنبر وسط عاصفة مدوية من التصفيق والقى كلمة حماسية اقتطف منها العبارات التالية:

خطاب الشقيري في افتتاح المؤتمر الوطني الفلسطيني

“صاحب الجلالة الملك الحسين المعظم، أصحاب السعادة ممثلي الملوك والرؤساء العرب، أخواني وأخواتي …

في هذا اليوم التاريخي وفي مدينة القدس الخالدة يجتمع أهل فلسطين لأول مرة بعد النكبة … فما أروع هذا اللقاء..!

وقد شهدت القدس مذ دخلها عمر بن الخطاب وهو يقود جمله .. شهدت أياما حافلة مجيدة .. واليوم تشهد هذه المدينة الخالدة حدثا تاريخيا سيغير مجرى التاريخ العربي وسيعيد إلى الديار المقدسة عروبتها وقدسيتها … وقد قامت اسرائيل بتشريدنا من ديارنا ووطنا … وهي تحسب أن شعب فلسطين لن يجتمع أبدا ولكن مؤتمرنا هذا سيعلن للملأ أننا هنا أصحاب فلسطين التاريخيين نلتقي لنعمل من أجل تحرير فلسطين .. ويشاركنا في هذا المؤتمر بشعورهم أهلنا في الأراضي المحتلة الذين لا يستطيعون الوصول إلينا فلهم جميعا تحياتنا .. ونحن هنا لا نمثل الفلسطينيين في سوريا ولبنان والعراق فقط نحن شعب واحد وطن واحد وسلاح واحد .. ونحن هنا نمثل أهلنا في فلسطين وإننا وإياهم على العهد ..!

ويضم مؤتمرنا هذا أجيال الكفاح وأجيال النكبة والأجيال الصاعدة .. يضم الجيل الذي شهد كفاحنا منذ الحرب العالمية الأولى ويضم الجيل الذي شهد وعد بلفور والجيل الذي شارك في ثوراتنا المجيدة في أعوام 21 و 29 و 33 و 36 إلى 39. كل هذه الأجيال تمثل الوطن السليب من مدن وقرى يافا وحيفا والساحل الخصيب والمثلث السليب والجليل وهذا المعنى الكبير يقابله معنى كبير آخر هو اجتماع الأمة العربية بكاملها هنا في هذا المؤتمر ممثلة بجلالة الملك الحسين وبإخواننا ممثلي الملوك والرؤساء العرب .. فالكل هنا من المحيط إلى الخليج مصر على تحرير فلسطين.

وفي زياراتي الأخيرة شهدت الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج تهتف لفلسطين وتحريرها شهدتها تهتف لفلسطين في احتفالات تونس وفي احتفالات ليبيا بذكرى استقلالها وفي الجزائر التي أعلن شعبها أن سيادة الجزائر لا تتم إلا بتحرير فلسطين .. وشهدت الشعب في المغرب والسودان والخليج والعراق ولبنان وسوريا يهتف لتحرير فلسطين.! وفي زيارتي للكويت سمعت الكويتيين يهتفون: الأموال والرجال فداء لفلسطين وفي الأردن كانت لي اجتماعات من أجل فلسطين وشهدت فيها الفلسطيني أردنيا والأردني فلسطينيا .. “

بعد ذلك تحدث الشقيري عن الكيان الفلسطيني فقال: “الكيـان الفلسطيني تعبير غريـب عـن الحيـاة الدولية والعربية … تعبيـر لا سابق له .. كل الشعوب والأمم لا تعرف هذا التعبير. هل يعرف التاريخ الكيان المصري أو السوري أو الكيان البلجيكي..؟”

وقال: “كل الشعوب التي ابتليت بالاستعمار بقيت آمنة في بلادها تكافح الاستعمار .. ولكن شعـب فلسطين اقتلع من وطنه … وأردف قائلا أن الكيان الفلسطيني ليس انفصاليا ولا انعزاليا … فنحن شعب فلسطين هتفنا عام 1919 “فلسطين عربية في اطار الوحدة العربية”. الوحدة هي الطريق لتحرير فلسطين. إن الكيان لا يهدف إلى فصل الضفة الغربية عن المملكة الأردنية الهاشمية ولكن يهدف إلى تحرير ما بعد الضفة الغربية!!”

ثم أردف الشقيري قائلا: “كانت هذه الديار شعبا واحدا فصله الاستعمار بالحواجز المصطنعة، والقرون الوسطى شهدت معركة تحرير فلسطين على أبواب مدينة الكرك!!”

وهتف قائلا: “يجب أن يكون شعارنا الوحدة في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.”

وطالب بدعم الأردن قائلا: “إننا ندعو الأمة بأسرها أن تعتبر دعم الأردن هو المنطلق لتحرير فلسطين.”

وعاد إلى القول: “نحن شعب كان لنا كيان وبطولات في وطننا وكنا نقاتل الصهيونية والاستعمار ولكن القوى العربية لم تصمد فحلت الكارثة..”

وأردف قائلا: “كنا نرى في الأمم المتحدة قضايا التحرير يقوم عليها شعوبها .. وكانوا هناك يسألوننا أين الشعب الفلسطيني؟! لهذا كانت الحاجة ملحة أن يقوم الكيان الفلسطيني. وقد جرت محاولات كثيرة لم تفلح لإنشاء الكيان الفلسطيني إلى أن انعقد مؤتمر القمة العربي الأول .. فقامت أجهزة الاستعمار والصهيونية العالمية محاولة وأد هذا الوليد الجديد الذي يهدف إلى تدمير اسرائيل ولكن الأمة العربية وقفت وردت على ذلك!!”

وفي ختام خطابه قال الشقيري: “تجدون أمامكم الهيكل العام للكيان الفلسطيني يتمثل في الميثاق القومي والنظام الأساسي”. ودعا المؤتمر إلى دراستهما من أجل اقرارهما.

اقرار الميثاق القومي وإعلان قيام منظمة التحرير

وبعد انتهاء الشقيري من القاء كلمته أعلن عريف الحفل انتهاء الجلسة الأولى.

وفي الجلسة الثانية التي عقدت بعد الظهر تم تغيير اسم المؤتمر الوطني الفلسطيني وأصبح يسمى المجلس الوطني الفلسطيني وانتخب أحمد الشقيري رئيسا له.

وطلب رئيس المجلس من الأعضاء تشكيل لجان المجلس فتم تشكيل لجنة الميثاق واللجنة العسكرية واللجنة المالية وغيرها من اللجان وفقا لرغبات الأعضاء. واخترت أن أكون عضوا في لجنة الميثاق لأهميتها وضمت تلك اللجنة عددا من الوزراء الأردنيين الذين هم من أصل فلسطيني أذكر منهم احسان هاشم وهاشم الجيوسي. وقد ناقشت اللجنة بعد ذلك مشروع الميثاق في عدة جلسات وكانت المناقشات حامية خاصة بين ممثلي الأردن من جهة وممثلي سوريا والكويت وقطر من جهة أخرى. وبذل الشقيري في تلك اللجنة جهودا مضنية لإقرار الميثاق وكان يعمل بين الكواليس لاقناع الملك حسين بالموافقة على الميثاق.

وفي أثناء المناقشات اقتربت من الشقيري ولاحظت كم كان الشقيري عربيا قوميا حيث أنه هو الذي سمى الميثاق بالميثاق القومي الفلسطيني. كما كان ينادي بضرورة مراعاة الوجه الإسلامي للقضية الفلسطينية.

وبعد مناقشات حامية بين الأعضاء أقر الميثاق القومي الفلسطيني والذي نص في البداية على إنشاء “كتائب فلسطينية” مراعاة لحساسية هذا الموضوع بالنسبة للملك حسين. وقد عارض الكثيرون من أعضاء المجلس استعمال هذا التعبير ولكن الشقيري أقنعهم بضرورة ذلك مراعاة للظروف!

والجدير بالذكر أن المجلس الوطني الثالث الذي عقد في غزة في شهر أيار عام 1966 قد ألغى ذلك التعبير من الميثاق وأطلق على “الكتائب الفلسطينية” اسم “جيش التحرير الفلسطيني”.!

ورؤي في لجنة الميثاق أنه من الضروري أن يكون العمل الفلسطيني من خلال منظمة تسمى منظمة التحرير الفلسطينية، ومن أجل صياغة بيان اعلان قيام المنظمة شكلت لجنة الميثاق من بين أعضائها لجنة فرعية للقيام بذلك وضمت اللجنة أربعة أشخاص هم راجي صهيون وهو من فلسطينيي الأردن وفايز أبو رحمة وهو من فلسطينيي قطاع غزة وشريف الجعبري وهو من فلسطينيي قطر ثم خيري أبو الجبين وهو من فلسطينيي الكويت.

وقد قمنا في تلك اللجنة الفرعية باعداد بيان قيام منظمة التحرير الفلسطينية وعرضناه على أعضاء لجنة الميثاق فوافقوا عليه ثم تلاه أحمد الشقيري على المؤتمر معلنا عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية وأن يصبح اسم المؤتمر الوطني الفلسطيني اعتبارا من ذلك اليوم المجلس الوطني الفلسطيني وانتخب المجلس أحمد الشقيري ليكون رئيسا للمجلس الوطني الفلسطيني. وفي الجلسة الأخيرة للمجلس الوطني والتي عقدت في اليوم الثالث وافق المجلس على الميثاق القومي الفلسطيني والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. وفي تلك الجلسة أيضا انتخب المجلس الوطني أحمد الشقيري رئيسا للجنة التنفيذية أيضا وكلفه بتأليف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وانتخب المجلس عبد المجيد شومان رئيسا للصندوق القومي الفلسطيني والذي يكون وفقا للنظام الأساسي عضوا في اللجنة التنفيذية للمنظمة. وفيما يلي بيان اعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية الذي أعدته اللجنة الرباعية المنبثقة عن لجنة الميثاق ووافقت عليه لجنة الميثاق، وتلاه الرئيس أحمد الشقيري معلنا قيام منظمة التحرير الفلسطينية:

بيان اعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية

بسم الله الرحمن الرحيم

إيمانا بحق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه المقدس فلسطين وتأكيدا لحتمية معركة التحرير للجزء المغتصب منه، وعزمه واصراره على إبراز كيانه الثوري الفعال وتعبئة طاقاته وإمكانياته وقواه المادية والعسكرية والروحية … وتحقيقا لإرادة شعبنا وتصميمه على خوض معركة التحرير الوطني بقوة وصلابة … طليعة مقاتلة فعالة للزحف المقدس … وتحقيقا لأمنية أصيلة عزيزة من أماني الأمة العربية ممثلة بقرار جامعة الدول العربية ومؤتمر القمة العربي الأول … أعلن بعد الاتكال على الله باسم المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول المنعقد فـي مدينة القدس فـي هذا اليوم السادس عشر من محرم عام 1384 هجرية الموافـق الثامن والعشرين من أيار – مايو عام 1964 للميلاد.

أعلن قيام منظمة التحرير الفلسطينية قيادة معبئة لقوى الشعب العربي الفلسطيني لخوض معركة التحرير ودرعا لحقوق شعب فلسطين وأمانيه وطريقنا للنصر.

الباب الثالث – منظمة التحرير الفلسطينية تثبت وجودها