الباب الثالث – منظمة التحرير الفلسطينية تثبت وجودها

تشكيل المجلس الوطني الأول

وهكذا انتهت اجتماعات المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول بإعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية والموافقة على الميثاق القومي الفلسطيني والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. وصار هذا المجلس يسمى المجلس الوطني الفلسطيني الأول بدلا من المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول.

وتعليقا على تشكيل هذا المجلس أقول أنه كان في رأيي ممثلا لأبعد الحدود لمختلف تجمعات الشعب الفلسطيني، ومع أن النظام الأمثل هو أن يكون كل الأعضاء منتخبين إلاّ أن ذلك تعذر! لكن كان في ذلك المجلس عدد لا بأس به من الأعضاء الذين انتخبوا في تجمعاتهم منهم ممثلو قطاع غزة الذين كانوا كلهم منتخبين بالإضافة إلى عدد من الأعضاء المنتخبين من الكويت وقطر وأماكن أخرى محدودة. ويمكن القول أنه كان هناك في المجلس أيضا أعضاء كانوا منتخبين في الأصل كالنواب فلسطينيي الأصل في مجلس النواب الأردني ورؤساء البلديات الأردنية من أصل فلسطيني ورؤساء وممثلي النقابات المختلفة في الأردن والذين هم من أصل فلسطيني لهذا يمكن اعتبار المجلس الوطني الأول من أحسن المجالس تمثيلا للشعب الفلسطيني خلال المسيرة الطويلة لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 64 وحتى اليوم. حيث ضم المجلس أيضا ممثلين – وإن كانوا غير منتخبين – لمختلف المهن والطوائف في جميع الأقطار التي يتواجد فيها فلسطينيو “الشتات” كما أن ممثلي الفلسطينيين في الضفتين الشرقية والغربية في الأردن اختارتهم لجان تحضيرية تكونت من أشخاص لهم سمعتهم الوطنية وكذلك الحال في بقية الأقطار العربية!!

هذا وبموجب النظام الأساسي لمنظمة التحرير الذي أقر في المؤتمر الأول كلف أحمد الشقيري بتشكيل اللجنة التنفيذية الأولى لمنظمة التحرير الفلسطينية، فقام بتشكيلها بعد اجراء مشاورات مناسبة كما سأبين فيما بعد. وإنما قصد واضعو النظام الأساسي من اعطاء الرئيس الذي انتخبه المجلس الوطني حق تشكيل اللجنة التي ستتحمل مسؤولية العمل الفلسطيني وهي اللجنة التنفيذية أن يكون في اللجنة انسجام يضمن سير أعمالها بدون عراقيل، على أن تأتي المراقبة والمحاسبة من قبل أعضاء المجلس الوطني الذي يجتمع كل سنة.

ويلاحظ أنه بعد المجلس الرابع أصبح الميثاق القومي الفلسطيني يسمى الميثاق الوطني الفلسطيني. كما تعدل النظام الأساسي بحيث أصبح المجلس الوطني هو الذي ينتخب أعضاء اللجنة التنفيذية بالكامل … ومع أن هذا الإجراء كان يتم شكليا في المجالس المتعاقبة بعد المجلس الرابع، إلا أن اللجنة التنفيذية في الواقع كان يتم الاتفاق على أعضائها بين الفصائل المختلفة خارج المجلس وتعرض الأسماء فيما بعد على المجلس الوطني للموافقة عليها. وفي رأيي أن النظام السابق هو الأمثل بشرط أن تكون هناك رقابة حقيقية ومحاسبة!

ومن الجدير بالذكر أن قيادة المنظمة كانت تميل إلى العودة إلى الأسلوب السابق ولكن ذلك كان يستلزم تعديل النظام الأساسي وهذا لم يتم!!

فكر المنظمة وشعاراتها

عندما وضع أحمد الشقيري مشروع الميثاق القومي الفلسطيني والذي وافق عليه المؤتمر الوطني الأول بعد اجراء تعديلات طفيفة كان الشقيري يتلمس ما في الساحة الفلسطينية من أفكار ليضمنها مشروع الميثاق. وكان من بين ما قدم له مقترحات أبناء فلسطين في الكويت كما سبق أن أشرنا.

وقد نشأت المنظمة عام 64 والمد القومي على أشده بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر وكانت قد نشأت منذ النكبة عدة تنظيمات وأحزاب قومية منها حركة القوميين العرب وحزب البعث كما كان في الساحة تنظيمات فلسطينية أخرى اتخذت “القومية” شعارا لها.

لهذا كله تجد أن ميثاق منظمة التحرير سمي بالميثاق القومي الفلسطيني في بداية الأمر ولكنه للأسف غير في المؤتمر الرابع الذي قادته الفصائل وأصبح يسمى الميثاق الوطني الفلسطيني. ومن المؤلم حقا أنه بعد أن عقدت اتفاقية “أوسلو” عام 1993، ألغيت من الميثاق كل عبارات المفاهيم القومية والوطنية والثورية وذلك تمشيا مع التوجهات “السلمية” الجديدة!!

وفـي الميثاق الأول ربط الشقيري باستمرار بين فكرة التحرير والوحدة العربية. فقال: تحرير فلسطين والوحدة العربية لا ينفصل أحدهما عن الآخر، فتحرير فلسطين يؤدي إلى الوحدة العربية وهي بذاتها تعمل وتساعد وتؤدي إلى تحرير فلسطين.

أما شعارات المنظمة التي برزت عند تأسيسها فكانت “وحدة وطنية” تعبئة قومية “تحرير”. وهذه الشعارات اتخذتها كوادر المنظمة أهدافا لها عند تأسيسها.

وفي أول اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بادرت اللجنة إلى تحديد أهدافها واعلان المبادئ التي تلتزم بها في سعيها لتحقيق تلك الأهداف.

وقد تحدث الدكتور وليد القمحاوي عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة عن تلك الأهداف والمبادئ في اجتماع حاشد عقد في قطر عام 1965. ويعتبر بيان اللجنة التنفيذية وحديث عضوها الدكتور وليد إضافة لموضوعنا عن فكر المنظمة وشعاراتها .. حيث أن فكر المنظمة منبثق من ميثاقها القومي ونظامها الأساسي وأحاديث رئيسها وبيان لجنتها التنفيذية وتفسير أعضائها المسؤولين لكل ذلك. واعتبرت اللجنة التنفيذية أن هدفها الكبير هو تحرير فلسطين وإعادتها عربية خالصة لأهلها وشعبها العربي ورفض ما فعلته السياسة الاستعمارية في فلسطين من غزو صهيوني وإقامة دولة إسرائيل.

وتلتزم المنظمة بمبدأ المحافظة على سلامة القضية الفلسطينية ومحاربة أي محاولة للانتقاص منها أو إذابة شعبها أو اضعاف شخصيته. كما رأت اللجنة التنفيذية أن تحرير فلسطين لا يتم إلا بالكفاح الثوري ورأت أن دورها هو تجسيد الإرادة الفلسطينية العربية في تنظيم الشعب وحشد طاقاته للقيام بدوره في تحرير وطنه وأن تكون المنظمة أداة الشعب وطليعته، وواجبها أن تعد الشعب لمعركة طويلة شاقة، وأن تعتمد التخطيط العلمي في جميع أعمالها. وتؤمن المنظمة بوحدة المصير العربي وأن معركة تحرير فلسطين هي معركة الأمة العربية كلها ضد الصهيونية والاستعمار. ورأت اللجنة التنفيذية أنه من الضروري أن يبتعد الفلسطينيون المقيمون في أي بلد عربي عن أن يكونوا طرفا في المشاكل الداخلية لهذا البلد .. وأعلنت اللجنة التنفيذية أنها تفتح قلبها وتمد يدها إلى الفلسطينيين كافة لأن المنظمة هي لكل الفلسطينيين وواجبها أن تؤمن لكل فلسطيني حقوقه كإنسان وتمكنه من القيام بدوره في تحرير وطنه.

كما أكدت اللجنة التنفيذية في بيانها أن الفلسطينيين كانوا ولازالوا يدعون للوحدة العربية ويضحون من أجلها مؤمنين أن الوحدة هي السبيل لاستعادة الوطن واسترداد الكرامة.

وأكدت اللجنة التنفيذية على ضرورة إبراز الشخصية الفلسطينية مع الحرص على إبقائها ضمن إطارها الوحدوي وأكدت أن وحدة الشعب الفلسطيني هي السلاح الأكبر في تحرير فلسطين وأن العمل لإبراز الشخصية الفلسطينية ما هو إلا وسيلة مؤقتة وأنه لن يعطل وعينا العربي ولن يعزلنا عن أماني أمتنا العربية وجهودها.

أسماء أعضاء اللجنة التنفيذية الأولى

بعد انتهاء اجتماعات المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول الذي عقد في القدس وأعلن قيام منظمة التحرير الفلسطينية يوم 28 أيار – مايو – 1964 وشكل المجلس الوطني الفلسطيني الأول ليخلف المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول، قام الرئيس المنتخب أحمد الشقيري باجراء مشاورات لتشكيل اللجنة التنفيذية الأولى لمنظمة التحرير الفلسطينية وذلك بموجب النظام الأساسي للمنظمة والذي فوض رئيس اللجنة التنفيذية بتشكيل اللجنة التنفيذية. وبعد اتمام المشاورات أعلن الشقيري عن تشكيل اللجنة التنفيذية الأولى للمنظمة على الوجه التالي:

1- احمد الشقيري رئيسا اللجنة التنفيذية
2- عبد الرحمن السكسك نائبا لرئيس اللجنة التنفيذية (من الأردن)
3- فلاح الماضي أمينا لسر اللجنة التنفيذية (من الأردن)
و الأعضاء السادة
4- د. وليد القمحاوي (من الأردن)
5- بهجت أبو غربية (من الأردن)
6- عبد الخالق يغمور (من الأردن)
7- قاسم الريماوي وهو رئيس الدائرة السياسية (من الأردن)
8- خالد الفاهوم (من سوريا)
9- د. نقولا الدر (من لبنان)
10- حيدر عبد الشافي (من غزة)
11- حامد أبو ستة (من غزة)
12- فاروق الحسيني (من غزة)
13- قصي العبادلة (من غزة)
14- اللواء وجيه المدني عضو اللجنة التنفيذية وقائد جيش التحرير الفلسطيني (من الكويت)

15- وانتخب المجلس الوطني وفقا للنظام الأساسي السيد عبد المجيد شومان رئيسا للصندوق القومي الفلسطيني وبذلك أصبح شومان وهو من الأردن عضوا في اللجنة التنفيذية للمنظمة.

          ومما يذكر أن “وليد القمحاوي” استقال من عضويته في اللجنة التنفيذية بعد شهور قليلة من تشكيلها احتجاجا على “أسلوب الشقيري في العمل وفرديته” وبعد مرور سنوات، قال لي القمحاوي بهذا الخصوص: لقد شعرت أني كنت ظالما للشقيري في هذا التصرف، خاصة بعد أن رأيت ما يجري في الساحة الفلسطينية. والحقيقة أن الشقيري كان قائدا فذا وقام بعمل جبار لم يكن أحد يستطيع القيام به في الظروف الصعبة. ومما يذكر أن القمحاوي حاليا عضو في لجنة تخليد ذكرى المجاهد أحمد الشقيري.

أسماء مدراء الدوائر والمكاتب

بعد ذلك قررت اللجنة التنفيذية أن يكون العمل في الساحات الفلسطينية المختلفة من خلال مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية وتكون هذه المكاتب مرتبطة باللجنة التنفيذية من خلال الدائرة السياسية في المنظمة وشكلت في المركز الرئيسي للمنظمة في القدس خمس دوائر أساسية وهي:

1- الدائرة السياسية

2- دائرة الصندوق القومي الفلسطيني

3- الدائرة العسكرية

4- دائرة التنظيم الشعبي

5- دائرة الإعلام

وعين لكل دائرة مدير يتبع عضو اللجنة التنفيذية المكلف بتلك الدائرة وذلك باستثناء الدائرة العسكرية التي تولتها لجنة تم تأليفها من اللواء وجيه المدني قائد جيش التحرير وبهجت أبو غربية وقصي العبادلة. كما تولى د. وليد قمحاوي وحامد أبو ستة وعبد الخالق يغمور لجنة التنظيم الشعبي.

وبعد تأليف اللجنة التنفيذية للمنظمة بدأت تمارس أعمالها من خلال مكتبها في القدس وتم تعيين نمر المصري للشؤون العربية في الدائرة السياسية ود. صلاح الدباغ للشؤون الأجنبية في الدائرة السياسية وراجي صهيون للإعلام. وقد تولى فيما بعد شؤون اذاعة فلسطين من القاهرة. كما تم تعيين أحمد صدقي الدجاني مديرا لدائرة التنظيم الشعبي وعين د. يوسـف عبد الرحيم مديرا للصندوق القومي وخلفه د. منذر العنبتاوي.

ومن أهم القرارات التي اتخذتها اللجنة التنفيذية في بداية عملها تشكيل مركز الأبحاث الفلسطيني ليتولى اعداد الدراسات والبحوث المختلفة المتعلقة بالقضية الفلسطينية وتقرر أن تكون بيروت مقرا لمركز الأبحاث وعين الدكتور أنيس الصايغ مديرا له.

وبدأ الشقيري يمارس عمله من خلال المركز الرئيسي للمنظمة والكائن في مكتبها بعمارة فندق أمبسادور في القدس ومن خلال مكتب رئيس المنظمة في حي الدقي بالقاهرة .. بعد ذلك قام الشقيري بزيارة مختلف البلدان العربية من أجل التعريف بالمنظمة واقناع الحكومات المختلفة بفرض ضريبة التحرير على الفلسطينيين ثم التشاور مع المسؤولين وأبناء فلسطين فيها من أجل اختيار أشخاص مناسبين ليشغل كل منهم مركز مدير مكتب المنظمة ويمثلها في ذلك القطر. وفيما يلي أسماء مدراء المكاتب الذين تم اختيارهم، ووافقت على تعيينهم اللجنة التنفيذية:

1-    في مصر        باسل عقل

2-    في سوريا        مصطفى سحتوت

3-    في لبنان         شفيق الحوت

4-    في العراق       داود عودة

5-    في قطر          عبد الله أبو ستة

6-    في الجزائر      د. رفعت عودة

7-    في المغرب      د. فؤاد حمزة والذي حالت ظروف معينة دون مباشرته العمل فعين بدله هاشم عرفات

8-    في جنيف        طلب من الدكتور سعدي بسيسو أن يمثل المنظمة فيها بالإضافة إلى عمله الأصلي.

9-    في الأمم المتحدة طلب من الدكتور عزت طنوس أن يمثل المنظمة فيها بالإضافة إلى عمله الأصلي.

10-  في القدس        اختير عبد الكريم البرغوثي، ليعمل في مكتب المنظمة بالقدس.

11-  في السودان      عين زهير شبل ولكنه لم يباشر عمله

12-  في ليبيا          عين في وقت لاحق فوزي الكيالي لفترة قصيرة .. وشغل هذا المركز بعده عدة أشخاص.

13-  في غزة          مجدي أبو رمضان

14-  في الكويت      خيري الدين أبو الجبين.

15-  في الصين الشعبية   رشيد جربوع (وقد تم تعيينه في شهر مارس 65 بعد انتهاء رحلة الشقيري الناجحة إلى الصين الشعبية)

أنشطة أخرى للجنة التنفيذية

وبعد أن قامت اللجنة التنفيذية للمنظمة بتشكيل أجهزتها الادارية والفنية والمالية، اهتمت بالنواحي الإعلامية فأسست – كما ذكرت سابقا– مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت، كما أسست اذاعة صوت فلسطين من القاهرة، وتم ذلك بموجب اتفاق مع الحكومة المصرية يسمح للمنظمة باستعمال إحدى موجات الاذاعة المصرية وتدفع المنظمة لقاء ذلك مبلغ 150 ألف جنيه استرليني في السنة (مائة وخمسين ألف جنيه استرليني). وقد تولى الإشراف على تلك الإذاعة راجي صهيون. وأذكر أنني كلفت بالتفاوض مع اثنين من الفنيين الفلسطينيين العاملين باذاعة الكويت للعمل في اذاعة فلسطين. وأذكر أن أحدهم كان المذيع “أبو شنب”.

وفي شهر أيلول – سبتمبر – عام 64 عقد مؤتمر القمة العربي الثاني في الاسكندرية وحضرته منظمة التحرير لأول مرة ممثلة لفلسطين وترأس الشقيري وفد منظمة التحرير وكان من بين أعضاء ذلك الوفد الدكتور وليد القمحاوي عضو اللجنة التنفيذية والذي حدثني عن الأجواء التي سادت ذلك المؤتمر فوصفها بأنها كانت “غير واضحة تماما بالنسبة للعمل الفلسطيني”.

ولتوضيح ذلك أنقل عن الصديق الدكتور وليد القمحاوي قوله:

“في أثناء انعقاد مؤتمر القمة الثاني بالاسكندرية، مر علينا الرئيس السوري أمين الحافظ ونحن نتناول طعـام الغداء وخاطبنـا بقوله: “يا شباب اذهبوا إلى بيوتكم، فالجماعة يريدون تصفية قضيتكم!!”

كما روى لـي القمحاوي أيضا أنه قبيـل عقد المؤتمـر سأل زكريـا محي الدين – نائب عبد الناصر – في مقابلة رسمية عما تتوقعه جمهورية مصر العربية من دور منظمة التحرير الفلسطينية. فأجابه زكريا محي الدين هو العمل بقضية فلسطين اعلاميا وتمثيلها سياسيا. وعندمـا قال له “إن شعبنا يريد أن ينشئ جيشا فلسطينيا”، رد عليه محي الدين: “هذا الأمـر متروك لكم!؟”

ومما يذكر أن المؤتمر في نهاية جلساته وافق على إنشاء جيش التحرير الفلسطيني.

وقام الشقيري بابلاغ ذلك المؤتمر أنه بموجب قرار مؤتمر القمة الأول بتكليفه “بالاتصال بالدول العربية والشعب الفلسطيني لمعرفة أفضل السبل لابراز الكيان الفلسطيني”!! أبلغ الشقيري مؤتمر القمة الثاني أنه تم فعلا ابراز الكيان الفلسطيني وأنه تم عقد المؤتمر الفلسطيني الأول في القدس في 28 أيار عام 64 وانبثقت عنه منظمة التحرير الفلسطينية، وأن المجلس الوطني الفلسطيني الأول قد أقر الميثاق القومي الفلسطيني وصادق على النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأن المجلس الوطني الفلسطيني قد انتخبه (أي انتخب الشقيري) رئيسا للمجلس الوطني واللجنة التنفيذية للمنظمة، وأنه بموجب ذلك قام بتشكيل أول لجنة تنفيذية للمنظمة. وقدم الشقيري لمؤتمر القمة أسماء أعضاء اللجنة التنفيذية الأولى.!

ويذكر أن مؤتمر القمة الثاني قرر اعتماد مبلغ مليون جنيه استرليني سنويا لدعم المنظمة بحيث تقوم الدول العربية بدفع أنصبتها وفقا لنسب مساهماتها في ميزانية الجامعة العربية. وبهذه المناسبة أذكر أن تلك المخصصات دفعت شبه كاملة سنة واحدة فقط عادت بعدها معظم الدول العربية فتخلفت عن دفع التزاماتها للمنظمة!!

ومن الأنشطة الأخرى التي شهدتها السنة الأولى لقيام المنظمة الاهتمام بفرض ضريبة التحرير على العاملين الفلسطينيين في الدول العربية وبالتدريب العسكري في قطاع غزة. وقد سافر الشقيري عدة مرات إلى القطاع وألقى خطبا في القطاعات المختلفة شرح فيها أهداف المنظمة وغاياتها وأهمها الإعداد لمعركة تحرير فلسطين. وكان الشقيري يقابل في غزة بالهتاف وبتأييد منقطع النظير. وبالنسبة لضريبة التحرير فقد تمكن الشقيري من اقناع كل من الكويت وقطر وأبوظبي والعراق وليبيا والجزائر بأن تجبى تلك الضريبة من العاملين الفلسطينيين فيها. واستمـر يحاول فرض الضريبة على الفلسطينيين في الأقطار العربية الأخرى …

ومن الأنشطة الأخرى أن اللجنة التنفيذية للمنظمة دعت لاجتماع موسع عقد في القاهرة في شهر آذار – مارس – عام 1965 ترأسه الرئيس أحمد الشقيري وحضرته شخصيا مع معظم مدراء مكاتب المنظمة والذين تم تعيينهم في كافة الأقطار العربية والأجنبية. كما حضر المؤتمر أيضا جميع أعضاء اللجنة التنفيذية. وكان ذلك المؤتمر فرصة جيدة للتعارف بين كافة المسؤولين في منظمة التحرير والتحدث حول السياسة العامة للمنظمة وتبادل الرأي في أسلوب العمل. وأذكر أنه عرض علينا في ذلك المؤتمر تقرير عن حركة فتح وقادتها وشعرت بعد سماعي ذلك التقرير أنه كانت هناك شكوك حول فتح. وأذكر أنها كانت تتهم آنذاك بأنها صنيعة حلف “السانتو”!!؟ كما روى لي أحد أعضاء حركة القوميين العرب بعد ذلك نقلا عن صديقه جورج حبش الأمين العام للحركة أن الرئيس جمال عبد الناصر قال لجورج حبش “أنه يعتقد أن لحركة فتح علاقة بحلف السانتو!!؟ لهذا فإنه يرفض أن يقابل ممثلي الحركة!!”

وكان موقف عبد الناصر هذا قبل أن يقنعه محمد حسنين هيكل بعد حرب 1967 بالاجتماع بقادة حركة فتح.

هذا وبعد انتهاء جلسات مؤتمر مدراء المكاتب في القاهرة توجهنا جميعا إلى غزة للمشاركة في احتفالاتها بذكرى “يوم النصر” في 8 آذار، ذكرى انسحاب القوات الصهيونية من غزة عام 57 بعد اندحار العدوان الثلاثي.

وفي غزة لمسنا كم كانت الجماهير متحمسة لقيام منظمة التحرير الفلسطينية.! ومن الطريف أن أذكر هنا أن المخابرات المصرية في غزة استمرت تلاحقني طيلة اقامتي هناك والسبب (الذي عرفته فيما بعد) أنه عندما وصلت لزيارة غزة مع وفد المنظمة (وكانت زيارتي تلك الأولى للمدينة منذ عام 48) حضر إلى الفندق الذي أقمت فيه للسلام علي ثلاثة أشخاص كانوا أصدقائي في فلسطين وهم معين بسيسو وفريد أبو وردة وفخري مكي ويظهر أنهم جميعا كانوا محسوبين على الخط اليساري المناوئ للحكم المصري في غزة آنذاك!؟ لهذا لم تتركني المخابرات المصرية إلا بعد أن أوصلتني إلى القطار الذي سيغادر غزة إلى القاهرة!!

الباب الرابع – إنشاء مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت